محمد تيمور (1892 ـ 1921) هو أبرز أديب من الأدباء العرب المحدثين الذين رحلوا في سن الشباب وتركوا أثرا كبيرا يفوق سنوات عمرهم كثير، فقد توفي محمد تيمور وهو في التاسعة والعشرين من عمره بعد ما حفر لاسمه مكانا بارزا كرائد لكثير من التوجهات والتقنيات معا، لا يشبهه في هذا من أدباء العرب في القرن العشرين إلا أبو القاسم الشابي (1909 ـ 1934) الذي عاش خمسا وثلاثين عاما فقط، وهاشم الرفاعي (1935 – 1959) ومحمد عبد المعطي الهمشري (1908 ـ 1938) ومحمد عبد الولي القاص اليمني (1940 ـ 1973) بيد أن تيمور كان في عصر الريادة ومن تم اكتسب وضعا خاصا ووصفا خاصا في ريادته بتفوقه وأثره المعترف به.
والواقع أن المتأمل في تراث محمد تيمور يشعر بالفخر لهذا النبوغ الذي مكنه من أن يُنجز في كل الميادين التي ارتادها بنفسه وموهبته أو بقلمه على حد سواء. ومع أن محمد تيمور أنجز كل ما أنجز بطريقة متضافرة ومتداخلة في فترة قصيرة فإن التاريخ الأدبي يقتضينا أن نرتب القول في إنجازاته تبعا للميادين التي أبدع فيها إنجازاته. ففي مجال القصة القصيرة: بدأ محمد تيمور بنشر قصصه الاجتماعية منذ 1917 ويرى معظم النقاد أن قصة “القطار” تمثل البداية الفنية الحقيقية للقصة القصيرة في مصر.
في مجال المسرح ترك أربع مسرحيات معروفة:
* العصفور في القفص وقد مُثٌلت لأول مرة في مارس 1918.
* عبد الستار افندي (وهي كوميديا أخلاقية) مُثٌلت لأول مرة في ديسمبر 1918 وقام عزيز عيد بدور البطولة فيها.
* الهاوية (التي تُعد أفضل مسرحياته) مُثٌلت على مسرح الأزبكية وتعرض فيها لظاهرة انتشار الكوكايين بشجاعة نادرة من كاتب شاب تجاه ظاهرة اجتماعية خطرة لم تكن وصلت في المستوى الرسمي إلى حد التحريم.
* العشرة الطبية (وهي أشهر أعماله) وهي أوبرا مقتبسة وممصٌرة من أربعة فصول وقد وضع أزجالها الشاعر بديع خيري ولحنها سيد درويش ومُثٌلت بإشراف عزيز عيد في مارس 1920.
يرى النقاد في مسرح محمد تيمور تميزا خاصا من حيث أنه التزم بالواقعية، بل استخدم اللغة العامية أيضا، ومن حيث استهدافه للموضوعية دون تكرار أو إطناب أو استطراد إلى ما كان المؤلفون يستطردون إليه، ومع هذا الالتزام بالواقعية والموضوعية وللعامة فقد كانت شخصيات مسرحه من الطبقة الأرستقراطية، بل إنه حين كان يمثل هذه المسرحيات من باب التجريب الابتدائي فإنه كان يستعين بشقيقه وأصدقائه من طبقة الدكتور حسين فوزي وأقطاب المدرسة الحديثة محمود طاهر لاشين وأحمد خيري سعيد.
في مجال ترجمة المسرح: ترجم محمد تيمور عن الفرنسية مسرحيتين هما:
* الأب لويونار من تأليف جان إيكار.
* اللغز من تأليف بول هرفيو.
وفي مجال نقد المسرح والفكر المسرحي : كان محمد تيمور ناقدا مبتكرا فقد اختطٌ لنفسه أسلوبا خاصا في النقد المسرحي، صاغه في مقالات جعل عنوانها “محاكمة المؤلفين الروائيين” ويقصد بالمؤلفين الروائيين كتاب المسرح وكان هذا هو المصطلح السائد في تسمية كتاب المسرح في ذلك العصر، وكانت هذه المقالات التي قدمها محمد تيمور ممتعة لأنها صدرت عن حب ومرح ولم تعامل كتاب المسرح من شرفة علوية أو بروح الأستاذية أو بأسلوب الناقد المتعالي وإنما كانت أقرب إلى ما نعرفه من الحديث الموصول بين أصدقاء في أعقاب مشاهدة العمل المسرحي، ومع حرص واضح من محمد تيمور على المرح وروح الفكاهة والبعد عن التحذلق والافتعال.
وفي هذه المقالات نادى محمد تيمور بما حققه التاريخ الفن بعد ذلك من تخليص المسرح من الغناء الذي كان مفروضا عليه بحكم العادة في ذلك الوقت، كما نادى باتباع كثير من التقاليد والروح المسرحية على نحو ما فهمها من معاشرته للمسرح في السنوات الثلاث التي قضاها في باريس. وفي مجال التاريخ الفني والأدبي كتب محمد تيمور مقالات في تاريخ التمثيل في مصر وفرنسا وكان أول من فرق بوضوح بين التمثيل الفني والتمثيل اللا فني وهي مفاهيم مستحدثة في ذلك الوقت. ترك محمد تيمور أيضا ديوانا من الشعر، أما مقالاته في مجلة السفور فكانت حافلة بكل ما مثل مذهبه في الفن والأدب.
وفي مجال ممارسة الفن المسرحي نفسه أي التمثيل فقد انضم محمد تيمور إلى جماعة أنصار التمثيل وظل يمثل على خشبة المسرح حتى عام 1917 حين قرر السلطان حسين كامل أن يعينه للعمل في قصره وذلك حتى يكف عن التمثيل وكان هذا القرار إرضاء لوالده العلامة أحمد تيمور، ومع هذا فإن محمد تيمور طور من مجال عمله المسرحي ليصبح مؤديا لمونولوجات يؤلفها هو نفسه ويؤديها في الحفلات الخاصة به وبأصدقائه. من الحق أن نشير إلى أن نشاط محمد تيمور (ومعه شقيقه محمود تيمور) قد تحقق من خلال بوتقة الصحافة وعلى وجه التحديد مجلة السفور لصاحبها عبد الحميد حمدي وهي التي كانا يكتبان فيها والتي استطاع الشقيقان أن يتوليا أمرها طيلة 15 عددا كاملة (15 أسبوعا) كان صاحبها عبد الحميد حمدي قد تركها لهما ليتفرغ لجريدته الأخرى المنبر.
يّذكر للأديب العظيم محمود تيمور أنه جمع كل آثار شقيقه (من التأليف والترجمة والمقالات) وأصدرها بعد وفاته في ثلاثة مجلدات كبيرة بعنوان مؤلفات محمد تيمور (1922) كما يُذكر لحفيدته السيدة رشيدة تيمور إحياءها لذكراه بكل ما هو ممكن من فعاليات حضارية راقية. نشأ محمد تيمور كما هو غني عن البيان في بيت علم وحضارة، فوالده هو العلامة الكبير أحمد تيمور باشا وقد كتبنا عنه سيرة وافية في كتابنا عن الموسوعية العربية، وعمته هي الشاعرة الكبيرة عائشة التيمورية التي أشرفت على تربية والده، وقد توفيت والدته وهو صغير وهكذا كان والده العظيم بالنسبة له ولشقيقه محمود وشقيقهما الثالث أبا وأما.
وبعد أن أتم محمد تيمور تعليمه الثانوي سافر إلى برلين وهو في التاسعة عشر من عمره ليدرس الطب لكنه استوحش المعيشة في برلين ودراسة الطب فيها وآثر أن ينتقل إلى باريس ليدرس القانون، وكانت هذه فرصة مبكرة له على مدى ثلاث سنوات اتصل فيها بنشاط مكثف بالحياة الأدبية والفنية في فرنسا، وكانت حياته تتيح له العودة إلى مصر في الصيف فكان يعود كي يُحيط أقرانه علما بما أحاط به من فن أو أدب وتوجهات حديثة ويتفاعل بالحديث معهم والاستماع إلى مناقشاتهم لما يرويه لهم.
وهكذا كون محمد تيمور بمفرده توجها جديدا في جيل جديد نُقلت إليه التجربة نقلا مباشرا على يديه، ومن ثم ارتاد هذا الجيل المسرح والمونولوج والقص والتمثيل والموسيقى والمقال الصحفي والنقد المسرحي بعد ذلك. حين اندلعت الحرب العالمية الأولى في 1914 بقي محمد تيمور في مصر ولم يعد إلى باريس وهكذا قضى سبع سنوات مثمرة (1914 ـ 1921) أنجز فيها نهضة فكرية (في جيل أقرانه) دفعتهم إلى الريادة وهو تأثير يندر أن يتولاه شخص واحد لكن محمد تيمور قام به ورحل بعد أن حفر لاسمه مكانا مميزا.
تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة
ولقراءة التدوينة من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية التدوينة إضغط هنا