في أغنية «الروابي الخضر» التي لايزال الموسيقار محمد عبد الوهاب يتغنى بأبيات قصيدتها يمزج الشاعر أحمد خميس الحديث عن الليالي بالحديث عن الوطن بطريقة ذكية و حافلة بالحب، وفيها يقول مخاطبا مصر:
درة الشرق رعاك الله مادام وجود
ورعا شعبا عريق المجد موفور الإباء
فانهلى يا مصر من إشراقة العهد الرغيد
واسلمى يا مصر تفديكى قلوب الأوفياء
وهكذا يبلغ أحمد خميس الذروة في مديح مصر بعد أن يكون قد بلغ بمستمعيه الذروة في الإعجاب بالليالي الحافلة بالمعاني الفنية والجمالية:
«يا ليالي الشرق هل عادتك أشواق الغناء
فالروابي الخضر تشدو والسنا حلو الرواء
والأماني هتاف، عزفته الضفتان
فحري في مقلة الأرض، وفي قلب السماء!»
ومن رباعيات أحمد خميس نختار للقارئ بعض الرباعيات التي يعبر فيها عن اعتزازه بذاته وسيرته كما يفخر فيها بشاعريته وعبقرية الحزن والرجاء المسيطرين عليه وهي أربع رباعيات (79-82) :
الرباعية 79
قلتُ للأيام .. هذى دولتى
وأنا الشاعر .. وهى الناطقة
وغداً أمضى .. وتبقى سيرتى
سيرة تحيا .. وذكرى سامقة
الرباعية 80
أيها السائل عن ذاك الشجى
اخفض الهمسة كى لا ينفطر
ما ترى خلف أساه المرتجى
ملكاً يحمل آلام البشر ..
81 الرباعية
خطوة الشاعر فى الأرض عطاء
أينما حل … وأيان ارتحل
عبقرى الحزن .. مشبوب الرجاء
يزرع الحب .. ويقتات الأمل
82 الرباعية
طائر الخلد الذى غنى الهوى
وسعت بين جناحيه الفنون
لم يزل ينهل من كأس الجوى
طاوياً أشجانه خلف الظنون
ونأتي إلى بعض ما يصور رؤية التاريخ الأدبي والنقد لمكانة أحمد خميس الشعرية، فنجد الأستاذ فاروق شوشة وهو يري أن أحمد خميس كان واحدا من الأصوات الشعرية التي ظلت عاكفة علي محراب القصيدة الرومانسية، بعد رحيل أقطابها من شعراء جماعة أبولو: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وأبو القاسم الشابي، ومحمد عبدالمعطي الهمشري، ومحمود حسن إسماعيل، وأحمد رامي، وأحمد فتحي، وصالح جودت، ومختار الوكيل، وغيرهم، وهو يلفت النظر إلى أن وجوده كان معاصرا لتيار الشعر الواقعي الذي ارتبطت به قصيدة التفعيلة، وتغيرت معه ذائقة الجمهور الأدبي الذي عرف إبداعات عبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي في مصر، والسياب، ونازك الملائكة، والبياتي في العراق.
وينبهنا فاروق شوشة إلى الحقيقة التي يقول فيها إنه في ظل هذا الانحسار الرومانسي والتفجر الواقعي كان شعر أحمد خميس وأضرابه من الشعراء: إبراهيم عيسي، ومحمد الجيار، وعبده بدوي، وعلي الصياد وغيرهم ممن ظلوا يحيون علي ضفاف القصيدة الرومانسية.
وفي صعيد آخر يري فاروق شوشة أن أحمد خميس كان الأقرب إلى نموذج الشاعر الملاح علي محمود طه، في هيامه بالطبيعة والجمال، وبخاصة في رحلاته الصيفية المتتابعة إلى أوروبا، وبحثه عن مواطن الفتنة والانطلاق، وتصيد لحظات المتعة والنشوة، وأنه كان ذكيا في اختيار صيغة الرباعيات التي اختارها لكثير من قصائده البديعة، وقد ضمن هذه الرباعيات نفثات وجدانه، وأشواق روحه.
وهو يضرب المثل علي ذلك بقول أحمد خميس محاكيا لغة علي محمود طه وتقسيماته النغمية والإيقاعية في قصيدة عنوانها «رقصة»:
«أي همس حالم الإيقاع نشوان الصدى
طاف كالفرحة، كالنجوى، كلآلاء الندي
حين ناداني وحيا أو هو يلقي لي يدا
قلت: أهلا فتثني ورنا
وتبدي لي الرفيق المحسنا
نظرة ثم دعاني قائلا في همستين
أيها المفتون ماذا لو شربنا قدحين
قلت: هات فأنا سمع وأصداء وعين»
وعلي اللحن نفسه عزف أحمد خميس شعر فقال:
«ياأخا الغرب، ليالي الشرق عشق وهوي
وضفاف طمي الحب عليها وارتوي
وشباب خالد الفتنة معبود الروا
فتعال اسكب علي روحي وقلبي غنوتين
وترفق يا أخا الغرب وخذها قبلتين
فأنا، آه.. أنا سمع وأصداء وعين»
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة التدوينة من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا