ذهبت لزيارة الأستاذ يوسف جوهر بعد أن أجرى جراحة المفصل في الولايات المتحدة الأمريكية فروى لي كل تفصيلات الجراحة بدقة، وعناية ابنتيه اللتين كانتا في ذلك الوقت مقيمتين في الولايات المتحدة وكان حريصا كل الحرص على أن يبدي سعادته بقدرته على الحركة بعد طول معاناة، وأخذ وهو سعيد بقدرته المستعادة يبحث في مكتبته عما يهديني فوجد نسخة واحدة باقية عنده من “شخلول وشركاه” فصمم على أن يختصني بها، وقال مثلا لم أكن سمعته حتى تلك الساعة: الفاضلة للفاضل.
الأستاذ يوسف جوهر (20/7/1912 ـ 12/9/2001) قاص وروائي من الطراز الأول، وأحد كبار كتاب السيناريو، نالت أعماله شهرة واسعة في السينما وتحولت معظم قصصه إلي أفلام سينمائية، وكان من مؤسسي معهد السينما، والجمعيات الأدبية.
نشأ الأستاذ يوسف جوهر عطية نشأة متميزة وحيدا لأبوين من الطبقة الوسطي، وتعود جذور عائلته إلي مدينة قوص، وقد انتظم في الدراسة حتي حصل علي ليسانس الحقوق وهو في الثالثة والعشرين من عمره (1935) واشتغل بالمحاماة.. كان والده واعظا لكنيسة طنطا، وكان واعيا لأهمية دور الأب في توفير منابع الثقافة لابنه، أما والدته فقد كانت قادرة علي تنمية مهارة القص والإحساس بالثقافة في نفسيته.
وكان يوسف جوهر يحظى بكل الرعاية في هذه الأسرة التي رزقت به بعد حرمان من الذرية، أما عائلته الصغيرة فقد تكونت من سيدة فاضلة نأي بها عن المجتمعات الفنية، وقد رزق ثلاث بنات وولدين، ولبناته مكانة بارزة في المجتمع، فابنته الكبرى الدكتورة ماجدة تزوجت من دبلوماسي ألماني عمل سفيرا لألمانيا الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية، والوسطي الدكتورة سهير أستاذة للأدب في جامعة عين شمس، والثالثة السيدة نادية تزوجت من دبلوماسي إنجليزي رأس بعثة بلاده في الأمم المتحدة ثم أصبح سفيرا لبريطانيا في مصر، أما ابنه عادل فقد حصل علي الدكتوراه في العلوم وعمل في أمريكا، وحصل الابن الثاني كريم علي ماجستير في الأدب من جامعة برنستون.
وكما تمتع يوسف جوهر بنشأة سوية ومتميزة وبحياة أسرية ناجحة، فقد تمتع بشخصية آسرة ونفسية متميزة، كان مهذبا ودودا خفيض الصوت، أميل إلي العزلة، وكان طاهر الذيل، محمود السيرة، ومع أنه أرثوذوكسي فقد تزوج من بروتستانتية لكنها تعمدت قبيل الزواج، وقد ظل يوسف جوهر يعمل في المحاماة من خلال بعض المكاتب الكبرى، وكان في بداية حياته قد مارس المحاماة من خلال مكتب خاص به في طنطا وميت غمر.
وكان يوسف جوهر على نحو ما حدثني يرجع الفضل في ذيوع صيته الأدبي إلي الأستاذ مصطفي أمين الذي أعجب بقصصه وأرسل في طلبه من طنطا وشجعه علي التفرغ لكتابة القصص القصيرة، وجعل مكافأته عن القصة الواحدة ثلاثة جنيهات، وهو الأجر نفسه الذي كان توفيق الحكيم يحوزه في ذلك الوقت.
وإلي الفنانة آسيا يرجع الفضل في جذبه إلي الكتابة للسينما، فقد أعجبت بكتاباته فطلبت منه حوارا لفيلم مأخوذ عن قصة «مدام إكس»، وانطلق بعد هذا في الحوار ثم السيناريو.
وفيما قبل هذا فقد كان الأستاذ محمد عطية الإبراشي يدرس اللغة العربية في كلية الحقوق وحين قرأ له قصة «حينما ماتت» في السياسة الأسبوعية استدعاه في أثناء المحاضرة ليجلس مكانه وليقرأ قصته علي زملائه.
عاش يوسف جوهر مبجلا للحكيم ولأقرانه من الرواد الذين سبقوه على طريق القصة والأدب، وقد ذكر من هؤلاء الدكتور محمد حسين هيكل باشا، وأحمد حسن الزيات، وأستاذه محمد عطية الإبراشي، وأحمد الصاوي محمد، الذي نشر له في مجلته في عام 1935 مقدما إياه بلقب «القصصي اللامع».
كان يوسف جوهر معجبا بقصص محمود تيمور التي كان يراسل بها مجلة الهلال من لوزان.. كما كان يصف نجيب محفوظ بأنه فتح طريق الإبداع الروائي. ليوسف جوهر سبع روايات طويلة، ومن الملاحظ أنه لم ينشر الرواية الثانية إلا بعد أكثر من ثلاثين عاما من نشره للرواية الأولي التي حظيت بتقدير كبير تمثل في نوالها جائزة مجمع اللغة العربية، وقد قدمها بعنوان «عودة القافلة» وسميت بعد هذا «جراح عميقة».
أما روايته الثانية «أمهات في المنفي» فقد نشرها في 1977، وهي في رأيي أبدع عمل فني صور اختلاط القيم الذي صاحب عودة الانفتاح الاقتصادي في مصر، وقد تمكن فيها من بلورة كل المآخذ الاجتماعية علي سياسات الانفتاح في رواية واحدة شملت كل ما هو ممكن لإدانة هذا العهد.
وبعدها بثلاث سنوات (1980) نشر يوسف جوهر روايته الثالثة «دوامات في نهر الحب»، وقد بدأ بنشرها مسلسلة في جريدة الأهرام، ثم نشر روايته الرابعة (1982) وهي رواية قصيرة بعنوان «الصعود إلي قمة التل»، وبعدها بعامين آخرين (1984) نشر روايته الخامسة «الناس الأكابر» وقد نشرت مسلسلة في الأهرام، وبعد عامين آخرين (1986) نشر روايته السادسة «صفحات من حياة وممات السبعاوي»، وبعدها بعام (1987) نشر آخر رواياته «شخلول وشركاه».
أما مجموعاته القصصية فمتعددة (12 مجموعة) وبعضها لم يجمع إلا في العقد الأخير من حياته، وقد أصدرت الهيئة العامة للكتاب مجموعة أعماله الكاملة في عهد الدكتور سمير سرحان ومحمود العزب، ومن هذه المجموعات «الحياة قصص»، و«سميرة هانم»، و«دموع في عيون ضاحكة»، و«رسائل غرامية»، و«الصعود إلي قمة التل».
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة التدوينة من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا