ارتبط الفنان زكريا الحجاوي بعلاقة صداقة مبكرة مع الرئيس أنور السادات، وشارك في تهريبه بعد اتهامه في قضية أمين عثمان، وعاش السادات في كنف الحجاوي بعض الوقت في مدينة المطرية، وبعد الثورة عمل الحجاوي مع السادات حين ترأس مجلس إدارة دار التحرير «جريدة الجمهورية» لكنه لم يواصل العمل معه، لكن الرئيس السادات ظل يتمثل الحجاوي حتي في كثير مفرداته الشهيرة من قبيل أخلاق القرية وكبير العائلة، وقد منح السادات اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، كما أطلق اسمه علي شارع في المنصورة، وحضر السادات في أحد أعياد الفن عملا من أعمال زكريا الحجاوي بعد رحيله، مؤثرا حضور حفل الحجاوي علي حضور حفل أقيم بالتزامن معه لأحد أعمال الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان هو الآخر صديقا للسادات.
بالإضافة إلى ريادة زكريا الحجاوي للفنون الشعبية وتأصليها، التي أشرنا إلى ملامحها في المدونة السابقة فقد كان الحجاوي أديبا وفنانا متعدد المواهب والقدرات، غزير الإنتاج، عميق التأثير في ميادين كثيرة. ففي الإذاعة المصرية على سبيل المثال مكنت موهبة زكريا الحجاوي له أن يصبح واحدا من أصحاب الأحاديث الإذاعية التي كانت الإذاعة تذيعها بصفة يومية، وقد وصل إلي أن يزامل عمالقة من وزن العقاد وطه حسين وفكري أباظة، وقد أفادت منه الإذاعة المصرية إفادات قصوي، وهو صاحب فكرة المسلسلات الإذاعية ذات الحلقات اليومية، وكان أول مسلسل وضعه علي خريطة الإذاعة هو مسلسل «العقد اللولي» من تأليفه.
وله من المسلسلات الشهيرة: «الحب الأسير». وإليه ترجع فكرة تزويد كل مسلسل بمقدمة ونهاية غنائيتين. كما أنه استطاع تطوير المسلسل الغنائي الاستعراضي، وهو ما عرف على يده باسم «الملحمة الشعبية»، وقد امتد بها في أجواء فنية ومهنية متعددة على نحو ما فعل سيد درويش من قبل في موسيقاه، وتمكن من عرض صور ملاحم للفلاحين والبحارة والمشايخ والشيالين.. إلخ.
وكان الحجاوي يتولى بنفسه كافة الجوانب الفنية في المسلسل الإذاعي، فكان يؤلف المسلسل ويؤلف أغانيه ويلحنها ويخرجها، كما كان يشرف على تدريب الممثلين والموسيقيين وعلى الإخراج، وكان يبتكر أشكالا جديدة في الإخراج الإذاعي، ومن أشهر الملاحم التي قدمها للإذاعة «أيوب المصري»، و«أنس الوجود»، و«كيد النساء»، و«سعد اليتيم»، و«ابن عروس»، و«عزيزة الفرشوطية»، وله أيضا «اتفرج يا سلام»، و«يا ليل يا عين»، و«داع النهر»، وقد مثلت ملحمته «عاشق المداحين» مصر في مهرجان قرطاج السياحي.
ومن الطريف أن الحجاوي كتب في بداية عمله سهرة إذاعية أخرجها سيد بدير عن ملك فرعوني عرّض فيها في وضوح بالملك فاروق، وقد قُدم الحجاوي للنيابة بمجرد إذاعة هذه السهرة، ولكن سيد بدير كسر الأسطوانة التي سجلت عليها السهرة، وبذلك ضاع دليل الاتهام. وفي أواسط الخمسينيات جمع الحجاوي بعض قصصه القصيرة في كتاب «نهر البنفسج» نشر في سلسلة «الكتاب الذهبي»، وكان قد نشر في منتصف الأربعينيات مسرحيته «بجماليون»، كما أصدر كتابا عن الملك فاروق بعنوان «ملك ضد شعب».
وكان الحجاوي سباقا إلي التعريف بقيمة سيد درويش، وفنه، وعبقريته، وهو صاحب الفضل في التعريف بإنجاز سيد درويش الفني، ومدي نجاحه في إحداث ثورة في الموسيقي المصرية، وقد واصل الكتابة في هذا المجال باقتدار، لكن كتابه عن سيد درويش لا يزال مخطوطة. ظل الحجاوي يعمل في جريدة «المصري» حتي قيام الثورة، وفيما بعد الثورة عمل في مجلة «الرسالة» الجديدة، وظل يمارس التأليف القصصي.
وكانت للحجاوي كذلك مساهمات في بعض الأفلام، منها «أدهم الشرقاوي»، و«سيد درويش». كان الحجاوي خبيرا باللهجات المحلية إلي درجة مذهلة، وكان يتولى تدريب ممثلي الفرق المسرحية علي هذه اللهجات باقتدار، ولم يكن يقف عند حد اللهجة في أدائها، وإنما كان يعني في ذكاء بما وراء اللهجات من دلالات ثقافية ودينية، كما كان عالما بالأنساب والعلاقات الاجتماعية وأصول العائلات. وقد أفادت منه قطر حيث سافر إليها وعمل مستشارا للثقافة والفنون الشعبية (1970) وفيها توفي في 7 ديسمبر 1975
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا