كان حمد الباسل باشا (1871 – 1940) نموذجا بارزاً للشخصيات الفذة التي قادت حياة مصر السياسية في ثورة 1919 وما قبلها وما بعدها وربما يندر أن تجد في تاريخنا الذي نعيشه من يناظره (على مستوى عابر للأقطار) في شخصيته وقوتها ونفوذها وتميزها وأدائها وتراثها وفضلها. كان والده عمدة لقبيلة “الرماح” وهي قبيلة تمتد فروعها عبر ثلاث محافظات مصرية في مصر الوسطى وهي الفيوم وبني سويف والمنيا وقد توفى والده حين كان هو في العاشرة من عمره وكان الخديوي توفيق يعرفه ويقدر فضله فقرر أن يعين ابنه عمدة للقبيلة وهو لايزال في العاشرة، ومن الإنصاف أن نقول إن هذا القرار كان من قرارات الخديوي توفيق الصائبة، فقد أثبت حمد الباسل قدراته ونبوغه في تولي المسئولية، وكان على مستوى قرار مجلس الوزراء الذي استصدره الخديوي توفيق باستثنائه من السن في شغل هذه الوظيفة.
تربى حمد الباسل تربية أرستقراطية بالغة العناية بالثقافة فكان يجيد اللغات الأجنبية الفرنسية والإنجليزية ويتحدث بها مع الوزراء الأجانب ومندوبي الصحف، كما أنه كان قادرا على المناقشة والحديث والخطابة، بل أنه ترك كتابا من تأليفه هو كتاب “نهج البداوة” ونظم بعض الأزجال، وكان خبيرا زراعيا وسياسيا على مستوى معترف به.
تأهل حمد الباسل لمواقف سياسة كبيرة، بحكم تفوقه في أداء مهمته المحلية وهكذا فإنه عين في سنة 1911 عضوا في مجلس مديرية الفيوم وكانت عضوية مجالس المديريات من أهم المناصب في ذلك العهد، وأصبح حمد الباسل في 1913 عضوا في الجمعية التشريعية مع أنداده ممن نادوا بثورة 1919 وعلى رأسهم سعد باشا زغلول. مارس حمد الباسل حياة الوجهاء المثقفين فارتحل كثيرا إلى أوروبا و البلاد العربية والأفريقية و الآسيوية لكنه مع هذا النشاط الإنساني قام بأكثر مهمة ذات طابع سياسي فقد دُعي للتحكيم في النزاعات العربية في منطقة شمال العراق ما بين عشائر شمر و العبيد، وقد اصطحب الشاعر الكبير على بك الجارم في هذه الرحلة، وكانا على رأس من نجحوا في التوصل إلى توفيق الأوضاع وحل الخلافات ، وقد سجل على الجارم هذه الرحلة في قصيدة عصماء سنعرض لها في مدونة قادمة إن شاء الله .
كذلك انتدبه السير ونجت للمشورة فيما يتعلق بالسياسات الزراعية في السودان فقدم نصائح فنية ذات قيمة. نال حمد الباسل الباشوية عام 1914 وهكذا فإنه لما تألف الوفد المصري في 1918 كان من أبرز أعضائه بل إنه أصبح بمثابة الشخص الثاني في الوفد بعد سعد زغلول في معظم الأحيان كان من نتيجة هذا أن نفى حمد الباسل مع سعد زغلول وكان معهما في المنفى كل من إسماعيل صدقي باشا ومحمد محمود باشا.
كان اعتزاز حمد الباسل بالعروبة وبأصوله العربية المغربية بمثابة دعوة مؤكدة على عروبة مصر في مواجهة أي تيار يريد أن ينتزع عنها هذه الصفة وهذا الانتماء، وهو ما تأكد بعضويته للبرلمان ولغير البرلمان من هيئات بناء الدولة فيما بعد ثورة 1919. خاض حمد الباسل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نهاية 1923 وانتخب عضوا بمجلس النواب الأول في 1924. ظل حمد الباسل يمارس نشاطه السياسي والعروبي، رمزا من رموز التعاون العربي والإسلامي ورمزا من رموز اندماج مكونات الشعب المصري في نسيج واحد حتى توفى في 9 فبراير 1940 عن 69 عاماً وهو نفس عمر سعد زغلول باشا والملك فؤاد اللذين توفيا عن 68 عاما.
تمتع حمد الباسل بصفات شخصية كانت سائدة في أوقات ذلك العهد من حب الفضائل والكرم والنجدة والسعي في المعروف، وكان مقدراً لكل القواعد والقوانين حتى إنه تقبل رفض عاطف بركات وكيل وزراء المعارف لإلحاق ابنه بالمدرسة نظرا لكبر سنه 1924 كما أنه كان حريصا على ألا يحجب أفراد عائلته عما يطمحون إليه من المجد، وعلى سبيل المثال فإنه في 1914 تنازل عن منصب العمودية لشقيقه عبد الستار الباسل الذي هو معروف في التاريخ الثقافي بأنه الرجل الذي تزوج باحثة البادية ملك حفني ناصف. وقد ظل حمد الباسل محتفظا بعادته في ارتداء ما يعرف بالزي العربي المغربي الشهير في كل المناسبات وبهذا فتح الباب أمام ما عرف بعد ذلك من حرص الزعماء العرب على الزي الوطني التقليدي اقتداء بما فعله حمد الباسل في مصر، وهو من هو.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا