عمر طوسون (1872 ـ 1944) هو أعظم أمراء الأسرة العلوية اهتماما بالعلم والوطنية، كانت له مساهمات سياسية بارزة، ويذكر له التاريخ أنه آزر الحركات الوطنية مخالفاً بهذا تقاليد أسرته في الانكماش عن مشاركة الجماهير، وكان صاحب فكرة تزعم انضمام الأمراء إلي بقية الأمة في ثورة 1919 والمطالبة بالاستقلال التام، وذهب بعض كتاب التاريخ إلي حد القول بأنه كان صاحب فكرة تشكيل الوفد المصري، وفيما بعد تشكيل الوفد تُذكر له إعانته للوفد إلي مؤتمر فرساي بعشرة آلاف جنيه، واكتتابه في لجنة الأمراء التي تولت بأموالها تخفيف الويلات التي نتجت عن ضحايا المظاهرات، وعنف البريطانيين في حربها.
وقد نال عمر طوسون حب الشعب المصري واحترامه وتقدير زعمائه. حتى إنه ارتقي قريبا من الزعامة الشعبية وقد بذلت محاولات مبكرة وكثيرة على استحياء لأن يكون رئيساً لهيئة بديلة للوفد الذي ألفه سعد باشا زغلول فلم تفلح لكنه بقي صاحب فضل في التأكيد على تمصير وتمصر الأسرة العلوية الحاكمة، وهو ما ظهر سريعا في عروبة فاروق (ولد 1920).
كانت مساهمات عمر طوسون السياسية قد بدأت في الظهور القوي مبكراً في خارج الحدود المصرية حين تولي جمع التبرعات من أجل الحرب الطرابلسية، وقد نجح في أداء هذه المهمة نجاحا فائقا إلى درجة أن الكتابات التي تناولت هذه الفترة أبدت اندهاشها من قدر نجاحه فيها، وقد قيل إنه لو لم يسعف أهل طرابلس بمعونته لما أمكن أهلها الاستمرار في الدفاع بضعة أشهر، وقد روي الدكتور هيكل باشا في مذكراته أنه جمع في مدينة المنصورة مائة ألف جنيه في نصف ساعة. وقد كرر هذا الموقف في حرب البلقان، فقد رأس لجنة الإعانة في مصر، وألف اللجان في المديريات والبلدان وكان يجمع التبرعات بنفسه، وكان يلقي الخطب المؤثرة في المشاهد الحافلة بالأمراء والأعيان.
والواقع أن عمر طوسون كان داعية إلى التضامن بين الدول الإسلامية، ولما حدث حريق الآستانة وحدث مثله في الشام ومصر في وقت واحد جمع للمصابين في البلدان الثلاثة معونة مالية كبيرة أزالت بعض مآسيهم. واستمرت تبرعاته ودعمه على هذا النحو حيث تبرع للأسطول العثماني والطيارين العثمانيين واحتفل بهم في مضمار الإبراهيمية في حي الرمل بالإسكندرية.
كما ساعد الجيوش التركية في نهاية الحرب العالمية الأولي بالمال، ونهج الهنود في أثره في هذا العمل الإنساني. وقد دامت هذه المعونة ثلاث سنوات متواليات، كان لها أثرها في معاونة الأتراك حتى انتصروا على اليونانيين وحرروا أجزاء من بلادهم التي غزاها اليونانيون، ثم استمرت المعونات التي كان عمر طوسون يجمعها لإعالة أيتام الأناضول الذين عانوا شبح الموت والجوع.
وقد عرفت الدولة العثمانية له فضله عليها في هاتين المشكلتين، كما قدرت جهوده الرائدة في جمعية الهلال الأحمر، وتذكر بعض الكتابات المتاحة عن هذه الفترة أن الدولة العثمانية أرادت أن تكافئه بالأوسمة والرتب بل أن توليه إحدى الولايات فأبي شاكرا. ولهذا السبب أيضا تري الغربيين لا يعطونه حقه الذي يستحقه ليكون في عداد النبلاء الأوربيين في ذلك العصر ومع هذا فإنه نال عضوية المجمع العلمي المصري، والمجمع السوري والجمعية الجغرافية.
هو بفضل ما ترك من آثار ومؤلفات وأعمال قيمة متميزة باحث مؤرخ وجغرافي، حتى مع ما يروي من أنه أنفق على مَنْ كتبوا له ما نسب إلى اسمه من مؤلفات قيمة. أشهر مؤلفاته تسعة مراجع موسوعية لا نزال نعول عليها وهي: «البعثات العلمية في عهد محمد علي» و«خط الاستواء» في ثلاثة أجزاء، و«الصنائع والمدارس الحربية» و«أعمال الجيش المصري في المكسيك». «الأطلس التاريخي الجغرافي لمصر السفلى منذ الفتح الإسلامي إلى الآن»، «وادى النطرون ورهبانه وأديرته ومختصر تاريخ البطارقة» «تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية» «فتح دارفور» «المسألة السودانية».
وله كتب نشر بعضها بالعربية بعد أن نشرت بالفرنسية:
* «مذكرات في مالية مصر من عهد الفراعنة إلى أيامنا هذه»
* «جغرافية مصر في عهد العرب»
* «تاريخ النيل» في ثلاثة مجلدات
* “أفرع النيل القديمة”
* «الإسكندرية في 1868».
وله بالإضافة إلى هذه الكتب المرجعية أعمال أخرى:
– «يوم 11 يوليو 1882» وهو يوم الاعتداء الإنجليزي بالأسطول على مدينة الإسكندرية
– «صفحة من تاريخ مصر والجيش البري والبحري»
– «كلمات في سبيل مصر»
– «ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنجليزية»،
– «مصر والسودان».
تمتع عمر طوسون بأخلاق رفيعة، وكان صاحب خلق سام، مترفعاً عن الصغائر، وكان في سماته الشخصية كثير من الأخلاق التي تحبب فيه الخاصة والعامة، فقد كان يكره الخمر ويكره شاربيها، ويعاقب مَنْ يعلم أنه يشربها من موظفيه أشد العقاب، وكان شرقياً في ميوله، وكان يجل الإسلام وأوامره، وكان حفياً بنشر الصدق والإخلاص، وكانت محبته للمصريين تعادل محبتهم له، وكان يخلو من العصبية التي كان بعض الأمراء يتسم بها، ولم يكن يفرق بين المسلم والمسيحي، وكان كثير من موظفي دوائره من الأقباط، وكان منهم سوريون وأجانب.
تمتع بقدرات إدارية فائقة، وكان يتولى أمور دائرته بنفسه، وكان يتدارس مع معاونيه كتب الزراعة وموسوعاتها المتوفرة وأسرار الزراعة وتربية الحيوان وأصولها العلمية
أما عن نسبه فهو عمر بن طوسون بن محمد سعيد بن محمد علي الكبير أي أنه حفيد الوالي محمد سعيد ابن محمد علي وثاني اثنين من أولاد محمد علي الذين تولوا حكم مصر، تولي جده الحكم بعد ابن أخيه عباس الأول، وسمي ابنه والد عمر باسم أخيه الذي قتل شابا في أحد حروب أبيهما، وقد توفي طوسون ابن الوالي محمد سعيد شابا مثل عمه طوسون ابن رأس العائلة محمد علي.
ولد عمر طوسون في 8 سبتمبر سنة 1872 بمدينة الإسكندرية، توفي والده وهو في الرابعة من عمره فكفلته جدته لأبيه، وتلقي تعليمه الأولي في قصور عائلته ثم سافر إلى سويسرا ودرس فيها لعدة سنوات، وقام برحلات تثقيفية إلى إنجلترا وفرنسا، واقترن بإحدى كريمات الأمير حسن ابن الخديوي إسماعيل. كان يجيد التركية والعربية والفرنسية والإنجليزية، وكانت له مكتبة حافلة بالنفائس من الكتب العربية والأجنبية، وكان له ولع بالفروسية، وقد تولي رعاية مضامير السباق في الديار المصرية وكان رئيسها، كما كان له ولع بالصيد والقنص جعله من أمهر الرماة، كما قام برحلات سياحية كثيرة.
وبالإضافة إلى هذا تمتع بقدرات إدارية فائقة، وكان يتولى أمور دائرته بنفسه، وكان يتدارس مع معاونيه كتب الزراعة وموسوعاتها المتوفرة وأسرار الزراعة وتربية الحيوان وأصولها العلمية، ولهذا أصبح معروفا بأنه أنجح أصحاب الأراضي من الأمراء، وقد تولي إدارة دائرتين من أكبر الدوائر هما دائرة حمية الأمير حسن باشا وزوجه الأميرة خديجة هانم، ودائرة الأمير محمد إبراهيم، وعلى الرغم من أن العرف كان يتيح له أن يتقاضى مقابلا على هذه الإدارة، فقد حرص على أن يؤديها دون مقابل مادي.
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا