الرئيسية / المكتبة الصحفية / هل كان لمصر دور في فشل انقلاب 1972 العسكري في قبرص؟

هل كان لمصر دور في فشل انقلاب 1972 العسكري في قبرص؟

في عهد ثورة 1952 كانت السياسة المصرية الخارجية تجامل قبرص بكل ما هو ممكن نكاية في تركيا من ناحية المبدأ وفي اليونان أيضا ولكن من ناحية الغرض، ومع أن زعامة قبرص آلت إلى رجل دين مسيحي كان محبا لمصر ولعبد الناصر، فقد كان نظام عبد الناصر ينظر إلى وجوده باعتباره نشازا في جوقة العسكر، ومن العجيب الذي لم يكتب حتى الآن بصراحة أن الرئيس عبد الناصر كان طيلة عهده يتمنى لقبرص أن تسقط في قبضة العسكر رغم كل ما كان مكاريوس يغمره به من حب وولاء، وذلك على النقيض من السادات الذي بذل جهودا جبارة في دعم مكاريوس.

ومن العجيب بعد هذا أو بسبب هذا أن علاقة مصر والسادات بقبرص توترت تماما بعد وفاة الأسقف مكاريوس. وكنا قد استعرضنا في مدونة سابقة قصة الاعتداء على الأسقف مكاريوس في نهاية عهد عبد الناصر وما شابها من التباس في الموقف المصري. وقد روي السفير صلاح شعراوي بسلاسة جميلة في مذكراته ما كان لا يزال يذكره عن قصة أحد الانقلابات على الرئيس مكاريوس (انقلاب 1972) ودوره هو نفسه في التصدي لهذا الانقلاب بما أمكنه من العون:

“… وفي يوم من شهر إبريل سنة 1972، عدت إلى منزلي حوالي الساعة الثالثة والنصف، عندما أخبرتني السيدة حرمي بأن الدكتور ليساريدس قد حضر إليها راجيا منها أن يقوم كلانا بإقناع قرينته بالإقامة في دار السفارة حيث إنه قد وصلتهم معلومات مؤكدة باعتزام بعض الضباط اليونانيين مع العناصر المؤيدة للجنرال جريفاس القيام بانقلاب ضد مكاريوس في ذات الليلة، وأنه مضطر لتركها وحدها في المنزل إزاء ما يفرضه عليه واجبه القومي، رغم علمها بأنها وزوجها من الأهداف المطلوب تصفيتها أو القبض عليها”. “دهشت لسماع هذه الأخبار، ومن أن انقلابًا المفروض فيه السرية، قد عرف ويعلن عنه، وأضفت ساخرًا أنه “ناقص أن يقوم التليفزيون بالإعلان عنه وعن ساعة قيامه” ….. لكن لم تمض فترة قصيرة إلا وتلقيت مكالمة تليفونية من أحد الأصدقاء يحذرني وأسرتي من الخروج في ذلك اليوم حيث إن هناك أحداثًا سوف تقع بالجزيرة”.

“بدأت في أخذ الموضوع بجدية وبالفعل توجهت إلى منزل مدير المخابرات القبرصية والذي كان مجاورًا لدار السكن وطرقت الباب لكن لم يرد أحد فتوجهت بعدها إلى منزل المستر كبريانو وزير الخارجية وطرقت الباب لكن ما من مجيب. وأخيرا توجهت إلى عيادة أحد الأطباء نتخذها أحيانًا مكانًا للقاء مع بعض الشخصيات القبرصية لتبادل الرأي في الأمور وفوجئت بوجود حرم مدير المخابرات بها والتي طلبت مني وهي منزعجة العودة فورًا للمنزل، حيث إنه قد وقع في يدي زوجها أمر عمليات صادر من مجموعة من الضباط اليونانيين تحوي تعليمات عن انقلاب ضد الأسقف مكاريوس وعن خطط السيطرة على النقاط الحيوية مثل الإذاعة والتليفزيون وهيئة التليفونات ومداخل العاصمة”.

ثم يروي السفير صلاح شعراوي انه سرعان ما بدأ تحركاته الداعمة للشرعية: “وبناء على ما سمعته من هذه السيدة توجهت فورًا إلى السفارة حيث قابلت أعضاءها، ووضعنا الترتيبات لتأمينها وعدت إلى دار السكن لتأمينه، ولم يمض من الوقت كثير وإذا بي أفاجأ بحضور الدكتور ليساريدس وبرفقته المستر ميخاليدس قائد الحرس الخاص للأسقف ومعهما جهاز لاسلكي وقال لي الدكتور ليساريدس :طلب مني الأسقف مكاريوس وضع هذا الجهاز في منزلكم، وهو على نفس الموحة لجهاز آخر يحتفظ به الأسقف، ويرجو أنه في حالة تطور الموقف سوف يبعث عن طريقه برسالة لاسلكية لتقوم مصر بإذاعتها على العالم، ويؤكد الأسقف أنه يقدر موقفي إذا ما اعتذرت عن قبول هذا الطلب”.

“لم يستغرق تفكيري في الرد عليه ثواني، وافقت فورًا معتزًا بهذه الثقة الشخصية، وبالثقة في بلادي، وأيضًا من منطلق أنه لن يكون لي تواجد في الجزيرة إذا ما نجح الانقلاب، فلن يقبل قادته بقائي في الجزيرة لعلمهم بالعلاقة القوية التي تربطني بالأسقف، وأستطيع القول بأنني لعبت على فشل الانقلاب ونجاح الأسقف في منعه أو احتوائه، وكان رد الدكتور ليساريدس على موافقتي بقوله : هذا ما كان يتوقعه الأسقف منك، ثم غادر هو وزميله دار السكن وبعدما يقرب من الساعة، عادا مرة ثانية وبدآ اتصالهما بالوحدات والمجموعات المؤيدة للأسقف وتوجيهها لاحتلال النقاط الحيوية والمعابر والمداخل المؤدية للمدينة”.

“وفي حوالي الساعة الثامنة مساء تهلل وجههما فرحًا: وبسؤالي عن السبب أجابا بأن جموع منطقة باقوس وهي مسقط رأس مكاريوس بدأت في الوصول إلى العاصمة بسلاحها بل الأعجب من ذلك كانوا مع نسائهم وأطفالهم. ولم ينتصف الليل إلا وكان (في) الأسقفية ما يفوق عن عشرة آلاف مواطن من الشعب القبرصي فشكلوا بذلك جدارًا بشريًّا من المستحيل اختراقه إلا بوقوع ضحايا عديدة سوف تثير العالم أجمع على مدبريه”.

كذلك فقد ذكر السفير صلاح شعراوي بكل وضوح أنه كان هو نفسه السبب وراء تقديم مصر للمعونة الأمنية للأسقف مكاريوس بعد أن أدرك أن مكاريوس يعاني من تآمر القريبين منه، وأن التجسس عليه وعلى تحركاته قد مكن هؤلاء المتآمرين من المضي قدمًا في خطوات الانقلاب عليه مرة بعد أخرى. وقد روي السفير صلاح شعراوي كذلك أن الرئيس السادات بعث إلي الأسقف مكاريوس بسيارة محصنة ضد الرصاص. “ووجد الأسقف شبهته في شخصية كبيرة من معاونيه وأنه إن لم يكن أحد من عناصرها فهو على الأقل كان على علم بها”.

“وفي ختام المقابلة عاد الحديث إلى أمن مكتبه وقال لا ثقة لي في أي دولة في تأمين مكتبي سوى مصر، فهل يمكن مساعدتي في قيام خبرائكم بهذه المهمة لي؟ شكرته على هذه الثقة ووعدته بإبلاغ هذه الرغبة وكان تجاوب السلطات المصرية سريعًا إذ حضرت مجموعة من الفنيين بعد أيام ومعهم أجهزتهم وقادهم ابن أخت الأسقف ميخاليديس، وهو في نفس الوقت قائد حرسه الخاص من باب خلفي في قصر الرئاسة بعد انصراف الموظفين قرب المغرب وقامت المجموعة بواجبها واكتشفت وجود جهاز استماع إلكتروني لا يتجاوز عقلة الإصبع مركبًا على تليفون الأسقف وكم سعدنا بهذا الاكتشاف لأنه يعبر عن معان كثيرة، منها صدق تصورنا للمؤامرة التي تحاك حول الأسقف وسلامة رأينا بضرورة اتخاذه لوسائل أمن أكثر شدة. ولهذا فسرعان ما طلب الأسقف معاونة مصر في تدريب بعض الشبان القبارصة المخلصين على التدريب الأمني في مصر وتنفذ هذا الطلب”. “بل عندما تعرض لحادث اعتداء آخر خلال جولة في قبرص تكرم الرئيس أنور السادات وبعث له بسيارة محصنة ضد الرصاص”.

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com