الرئيسية / المكتبة الصحفية / ماذا حدث بعد اتهام نائب الرئيس بالتهرب من الجمارك؟

ماذا حدث بعد اتهام نائب الرئيس بالتهرب من الجمارك؟

 

 

وظف نظام الرئيس جمال عبد الناصر قصة عودة نائبه علي صبري بطائرة كاملة محملة بالبضائع من موسكو (على نحو ما لخصناها في مدونتنا السابقة) لتأديب هذه الشخصية المهمة نائب رئيس الجمهورية علي صبري وتقليص نفوذه، والتهوين من مكانته لدى الرأي العام والحلفاء السوفييت على حد سواء. ها هو المؤرخ جمال حماد يتحدث عن الدور الذي لعبه الرئيس جمال عبد الناصر في نشر فضيحة على صبري على الملأ: “من الواضح أن عبد الناصر قد وجد فيما جري فرصة فأمر بإجراء التحقيق في الحال”.

“وبعد بضعة أيام من وصول علي صبري إلى القاهرة بدأت المباحث العامة التحقيق في الحادث بطريقة سرية، واستدعي أمام سلطة التحقيق بعص موظفي مكتب علي صبري، وكان منهم بالطبع سكرتيره الخاص مصطفي ناجي، وأولئك الذين استقبلوه بمطار القاهرة، وكذا سائق اللوري، وسئلوا جميعاً عن تفاصيل الموضوع وعن سر ذلك الوزن الضخم من الطرود التي نقلت من موسكو وعن محتوياتها، وإلى أين أرسلت”، ” وهل سبق لعلي صبري إحضار أمتعة معه بمثل هذا الوزن في أسفاره السابقة؟”.

وتتسلسل ردود الفعل الناصرية التي تعاقب أشخاصا غير مذنبين بعقوبات قاسية وغير منطقية بدلا من عقاب المذنب الحقيقي مكتفية بممارسة إذلاله عن بعد: “وإمعانا في إذلال علي صبري صدرت الأوامر عقب انتهاء التحقيق باعتقال سكرتيره الخاص مصطفي ناجي”، “وفي 30 يوليو 69 أي بعد 15 يوما فقط من العودة من موسكو فوجئت أسرة مصطفي ناجي بزوار الفجر يقتحمون عليهم البيت وينتزعون مصطفي من بينهم حيث أودع سجن القلعة بدون أي أمر قضائي أو اتهام، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد 60 يوماً بعد إصابته بانهيار عصبي لفرط ما عاناه من الظلم والعذاب، مما دفع مدير مستشفى الأمراض العصبية إلى الإلحاح في سبيل الإفراج عنه حرصاً علي حياته، وخرج مصطفي من السجن”.

وينعكس هذا التصرف المفاجئ بقسوة على تصرفات على صبري: “وساء موقف علي صبري بالطبع بمجرد أن علم أن موظفي مكتبه يستدعون للتحقيق معهم أمام المباحث العامة، بدون أذن وبناء علي تعليمات شخصية من رئيس الجمهورية، وازداد موقفه تحرجاً عقب إلقاء القبض علي سكرتيره الخاص مصطفي ناجي وإلقائه في زنزانة انفرادية بسجن القلعة”، “وأحس علي صبري بإحباط شديد عندما لم تنجح اتصالاته لتحديد الموعد الذي طلبه كي يلتقي بعبد الناصر لتصفية الجو بينهما، مما حدا به إلى الاعتكاف في منزله والانقطاع عن مكتبه والامتناع عن حضور الحفلات والمناسبات العامة”.

“…. وقد روت لنا (الضمير لجمال حماد) حرم مصطفي ناجي أن علي صبري تخلي تماما عن زوجها بمجرد دخوله السجن، رغم علمه أن مصطفي يدفع ثمن ما جناه هو، وأن اعتقاله إنما كان مجرد وسيلة للضغط عليه هو وتأديبه ليسارع بتقديم آيات الخضوع والولاء للرئيس، وليعرف في المستقبل حدود مركزه فلا يتعداها ثانية”، “ومن سخرية القدر أن علي صبري عقب اعتقاله في أحداث 15 مايو 71 نزل في سجن القلعة في نفس الزنزانة التي نزل فيها سكرتيره الخاص من قبل”.

وقد صور جمال حماد بعضا من صدى الواقعة في الشارع السياسي فقال: “ورغم إحاطة الحادث بحاجز كثيف من السرية والكتمان، فإن الشائعات لم تلبث أن انتشرت في كل مكان بأن علي صبري قد انقطع عن مزاولة عمله، وأنه قد تغيب عن حضور عدة مناسبات سياسية هامة، وبدأت التساؤلات عن حقيقة الحادث تتوالى على مكاتب الاتحاد الاشتراكي وخلايا التنظيم الطليعي”.

ثم أجاد جمال حماد توصيف وتأطير التغطية الصحفية للحادث وهي كما نري بوضوح: تغطية سيادية وسادية فوق القانون وفوق الحقيقة: “وفي صباح الأحد 21 سبتمبر 1969 صدرت الأهرام وكان عنوانها الرئيسي في صفحتها الأولي يتكون من كلمة واحدة فقط كتبت بحروف ضخمة هي “الحقائق”، وورد البيان التالي بالحرف: “عندما عاد علي صبري من رحلته إلى الاتحاد السوفيتي في يوليو تواترت روايات تفيد أن الطائرة التي وصل عليها من موسكو حملت أمتعة معها تزيد علي الوزن المقرر، وأن هذه الأمتعة خرجت من مطار القاهرة دون أن تدفع عنها رسوم الجمارك. وجري تحقيق في هذه الواقعة، وذلك ما كان ينبغي أن يحدث، وهو ظاهرة صحية، وتبين أن هناك أصلا للواقعة. مع وجود مبالغة في الروايات”.

“وتناول التحقيق بعض أفراد السكرتارية التي صاحبت علي صبري في رحلته. ووجد علي صبري، وكان ذلك منطقيا ومطلوبا – أنه من اللازم لسلامة التحقيق أن يجمد نشاطه في الاتحاد الاشتراكي حتى ينتهي بنتيجة تؤكد تماماً أن علي صبري لم يكن يعلم بالتفاصيل، وعلى ضوء التحقيق ونتيجة له جري الآتي:

1- أن علي صبري دفع كل ما يستحق من الرسوم الجمركية على الأمتعة التي دخلت، حتى ما كان منها لا يخصه شخصياً (اتضح خلال التحقيق مع علي صبري بعد أحداث 15 مايو أنه أرسل شيكا بمبلغ 1300 جنيه إلى وزير الخزانة وهو المبلغ الذي قدره عبد الناصر).

2- رغم عدم مسئولية علي صبري شخصياً عما حدث فقد وضع تحت تصرف الرئيس استقالته من جميع مناصبه، ثم استقر الرأي في النهاية على أن يترك علي صبري أمانة لجنة التنظيم في الاتحاد الاشتراكي، مع استمرار عضويته في اللجنة التنفيذية العليا، وانتدب السيد شعراوي جمعة لأمانة التنظيم حتي تجتمع اللجنة المركزية. “انتهي بيان الأهرام”.

من الطريف بعد هذا أن نشير هنا إلى طرح آخر للقضية هو ما رواه الأستاذ عبد الصمد محمد عبد الصمد صديق المشير عبد الحكيم عامر وعضو البرلمان فقد قدم رأيا جديراً بالتأمل في هذه الأزمة التي تمكن بها النظام الناصري من تشويه صورة علي صبري على نحو ما رأينا وذلك حيث قال في كتاب مذكراته: « …. وبعد أيام أو أسابيع قليلة عاد السيد علي صبري إلى مناصبه! ولو أن الشعب لم يكن أصيب بالسلبية والجمود واللامبالاة لما يجري في حياته من أحداث لتساءل: “إذا كانت القصة حقيقية فكيف يعود الرجل إلى مناصبه بعد تهربه من دفع جمرك على حقائبه”، “وإن كانت غير حقيقية فلماذا يوصم الرجل بهذا الافتراء؟ لماذا تشويه صورته في نظر الشعب؟ لماذا قبل هو هذه العودة بعد هذه البهدلة والمرمطة؟ وانتهي علي صبري وعرف الناس قيمته وقيمة أي إنسان بجوار هذا المارد ولكن الناس ينسون أو لا يهتمون أو يجهلون”.

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com