الرئيسية / المكتبة الصحفية / القول الفصل في جاسوسية أشرف مروان

القول الفصل في جاسوسية أشرف مروان

كان أشرف مروان أفضل اختيار كزوج لابنة الرئيس فقد كان من النوادر الذين يتمتعون بأقصى الدرجات من ثلاثية الذكاء والغرور والطموح؛ وإذا قارنت به أيا ممن كانوا حول أولاد عبد الناصر من جيله فإنه يفوز عليهم جميعا، وقد كان والد أشرف مروان زميلا لعبد الناصر وتولى مناصب مريحة ومثمرة كان منها أنه كان رئيس مجلس إدارة شركة مصر للأسواق الحرة كذلك كانت شقيقته زميلة لمن أصبحت زوجته وهي السيدة منى جمال عبد الناصر.

عاد أشرف مروان إلى مصر بعد أن تعاقد مع المخابرات الإسرائيلية فوجد أن وظيفته “كإخصائي كيميائي أول”  في معامل القوات المسلحة لا تساعده في مشروعه الجديد فأبدى أمنيته في الاقتراب أكثر من الطاقم الذي يتولى مساعدة الرئيس المجهد والمريض على نحو ما كانت السيدة هدى شقيقة زوجته قد انتقلت لمكتب أبيها فصدر قرار بانتدابه في مكتب الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية في مهمة إخصائي أول معلومات أي في نفس الدرجة الوظيفية، والعسكرية: ملازم أول، ومن الجدير بالذكر أن سامي شرف الذي استقال قبل أن يحبسه السادات في اليوم التالي لاستقالته في مايو 1971 كان حريصا على أن يحصر روايته عن علاقته بأشرف مروان ومسئوليته الأدبية والإدارية عن تصرفاته بما في ذلك جاسوسيته في إطار أنه كان وزيرا بينما كان مروان  “ملازما” أوتحت رياسة معظم مرؤوسيه.

منذ وفاة الرئيس عبد الناصر وبحكم أن البنتين كانتا أكبر من الأبناء الثلاثة أصبح أشرف مروان بمنطق الأمر الواقع هو عميد عائلة الرئيس عبد الناصر مع أنه زوج الصغرى وذلك بفضل روحه ومبادرته وديناميته؛ ومع مرور السنوات ظل كذلك بفضل نفوذه؛ وظل كذلك حتى وفاته، وربما بعد وفاته بحسب التعبير البلاغي، بل إن حاتم صادق زوج الكبرى تزوج مرة أخرى في منتصف العمر بينما لم يفعل مروان هذا، وبهذه المناسبة فإنه في وقت ما من الأوقات كان حاتم صادق متزوجا من هدى جمال عبد الناصر وكان شقيقه متزوجا من الفنانة نادية لطفي. وباختصار شديد فقد كان مروان أبرز نموذج لمن يبدو وكأنه لا ينقصه شيء بينما كان في الحقيقة فيما بينه وبين نفسه فردا (لا نقول إنسانا) ينقصه كل شيء.

عندما أثار الإسرائيليون هذا الموضوع لأول مرة عرضت على ّ قنوات كثيرة أن أدلي برأيي فبادرت بأن عرضت عليهم جوهر رؤيتي حتى يقرروا هل باستطاعتهم أن يتحملوها ويتحملوا تكلفتها وللأسف الشديد صدق حدسي؛ مع كل القنوات ؛ فقد كانت القضية ولا تزال اكبر من قدرة “ العقلية العربية الجمعية” على القبول ولا أقول على الاستيعاب ومما سيدهش له القارئ أن الأستاذ هيكل مع كل اعتداده بنفسه أصيب بصدمة أفقدته توازنه العقلي والسيكولوجي لعدة أيام،  وبدأ يبحث عن تفسيرات الآخرين؛ ومع ما هو معروف عن تنافرنا (فضلا عن تشخيصي القاسي والجارح له) فقد كنت أقدر حجم صدمته ؛ وكان مما خفف عن خياله بعض الشيء ما نقل له عن تفسيري القاسي بان قوة سطوته وجاذبيته هو نفسه وسرها كانت هي المفتاح الحقيقي لاندفاع مروان الى ما اندفع إليه.

كانت جاسوسية أشرف مروان من نوع دقيق جدا ومرن جدا ومستخف تماما بما يضمن لها الاستمرار مدة طويلة فهو يسرب كل شيء بنفسه (فقط) وليس عبر أجهزة أو رسائل أو أية وسيلة يمكن رصدها أو اكتشافها وهذا ما أتاح لجاسوسيته أن تنجو من أية ملاحظة عابرة؛ ولهذا استمر. لم يكن أشرف مروان يحب مصر ولا المصريين؛ ولو استطاع أن يلقي عليهم قنبلة ذرية لتستأصلهم لفعل؛ ولهذا فإنه كان يريد لإسرائيل أن تنتصر وأن تبيد منا أكبر عدد ممكن؛ والنصوص المتاحة تدل على انه لم يكن سعيدا لا بالعبور ولا بالنصر. والتاريخ يعلمنا أن أمثال أشرف موجودون دوما في مسار الإنسانية وإن كانوا ندرة. والحقيقة تكمن في ثلاثة حروف مكررة خمس مرات: هو ذهب للذهب لأنه يحب الذهب وهم أعطوه الذهب لأنه أعطاهم الذهب.  

لو كان أشرف مروان عميلا مصريا فقط أو عميلا مزدوجا لدافع عن نفسه وهو حي، لكنه لم يبذل أي جهد في هذا الموضوع إلا مع حلفائه الإسرائيليين وكان موقفه معهم وهو يستجديهم إنقاذ ماء وجهه ضعيفا فلم يكن يملك ما يهددهم به، وفي المقابل فقد كان قد تقاضى كل أتعابه واستوفاها، (ونحن نقصد الأتعاب المالية وغير المالية)، ومع هذا  وبحكم تقاطع المصالح فإن مدير المخابرات العامة الإسرائيلية هاجم من أجله مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية، ووصلت الأمور إلى المحكمة، وكان  حكم المحكمة في نزاع هذين الرجلين الذين كانا مديرين لجهازي المخابرات الإسرائيليين تأكيدا جديدا على جاسوسية أشرف مروان.

ومع كل هذا الوضوح في رؤيتي لجاسوسيته المؤكدة فإني من باب الإنصاف أرى أنه لا يمكن توجيه أي لوم لأجهزة المخابرات العامة (والخاصة) في هذا الموضوع فقد كان نشاطه وكانت تحركاته خارج نطاق عملها تماما بل إني أقول إن أي محاولة للومها ظلم؛ وكذلك أي محاولة لتوريط رجالها السابقين في الشهادة الصحفية أو الفضائية بأنه كان رجلا وطنيا، كما أن أي محاولة للي عنق الحقيقة تمثل إهانة للعقل ولهذا فإني لا أزال أكرر أنه لا ذنب للأجهزة في عدم اكتشاف جاسوسية أشرف مروان.. فالموضوع كان خارج نطاق صلاحيات هذه الأجهزة.

كان رأيي المتواضع الذي أبديته بكل وضوح وهدوء منذ أكثر من 15 عاما لمن يحاولون إنقاذ ماء وجهه إنكم لو أردتم القول بأنه وطني صميم، أو لو أردتم القول بأنه عميل مزدوج فقد كان (ولا يزال) بإمكانكم الإسراع بعمل مسلسل أو فيلم وأنتم (حتى على مستوى عائلته) تملكون شركات الإنتاج ومن ناحية أخرى سارعوا فارفعوا قضية على وسائل الإعلام، أما إذا كنتم تعتقدون الحقيقة وهي أنه أخطأ فترحموا على وطنه وعلى الشهداء. وفي كل الأحوال فإني بناء على ما هو متاح من الحقيقة أعتقد أن الذين يقولون أنه عميل مزدوج مصممون على خداع أنفسهم بعقدة الاستعلاء، وفي المقابل فإن الذين يقولون إن إسرائيل هي من اختارته وجندته ووظفته مصممون على خداع أنفسهم بعقدة البارانويا.

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com