يعرف الجمهور الذي شهد نهاية السبعينيات أن أحمد شفيق أبو عوف أنجب ولداً وأربع بنات، وأنه قدم للمجتمع المصري على أنه رائد لأسرة فنية جديدة فقد كون ابنه الفنان عزت أبو عوف (الذي تخرج في كلية الطب وعمل طبيبا للنساء والتوليد) مع شقيقاته الأربع (اللاتي كانت أسماؤهن تبدأ بحرف الميم) فرقة سميت «الفور إم»، وفيما بعد بقيت واحدة منهن فقط في مجال الفن وهي الممثلة مها أبو عوف.
كان هذا الضابط الرياضي واحدا من عشاق الموسيقي العربية الذين عنوا بتدوينها، وعملوا على مواكبة تراثها للعصر الحديث، وهو أيضا واحد من الضباط البارزين في عهد ثورة يوليو 1952 الذين تولوا المسئولية المتقدمة في كيانات الحياة الفنية من خلال أجهزة الدولة. ولد أحمد شفيق أبو عوف في 2 ديسمبر 1919 في القاهرة، وتخرج في الكلية الحربية (1940)، ثم درس في المعهد العالي للموسيقي وحصل على درجة الدبلوم منه (1952)، وفيما بعد درس السيارات والنقل البحري في جامعات أمريكا وإنجلترا، كما نال درجة في الأدب الإنجليزي من الجامعة الأمريكية (1977).
كان أحمد شفيق أبو عوف قريباً من الضباط الأحرار بحكم السن والزمالة، ولهذا فقد شاركهم بعض نشاطهم البيروقراطي بعد قيام الثورة، وتولى قيادة ما سمي بجيش التحرير الوطني في شمال القاهرة (1956)، ثم كان واحدا من الضباط الذين قصرت عليهم معركة الانتخابات البرلمانية لمجلس الأمة في 1957، ومن ثم فقد فاز بعضوية مجلس الأمة، لكنه سرعان ما تعرض في أثناء هذه العضوية للهجوم البرلماني والشعبي بسبب شغله منصب المستشار الفني لمديرية التحرير تحت قيادة زميله مجدي حسنين، وتقاضيه أجراً عن هذه الوظيفة، وهو ما كان بالطبع يتعارض مع القانون. توزع نشاط أحمد شفيق أبو عوف بين النشاط العسكري التقليدي، والنشاط الفني.
وفي بداية الثورة كون اللجنة الموسيقية العليا ورأسها بالزي العسكري، وضم لعضويتها عدداً من المخلصين لهذا الفن، وقد عقد اجتماع اللجنة الأول برئاسة الرئيس محمد نجيب، وتمكن أبو عوف من خلال هذه اللجنة وبفضل حماس الشعب والفنانين من جمع 2000 عمل غنائي من حفظة هذا التراث، وكانت منها نصوص أغاني أم كلثوم، وهكذا قامت اللجنة بمحاولة جادة و مبكرة في جمع التراث القومي في الموسيقي، كما أقامت هذه اللجنة الحفلات السيمفونية العامة للجمهور مثل حفلات أوركسترا بلجراد السيمفوني، وأسهمت (1954) بتحرير بطاقة الشرح والتعريف بالمعزوفات المقدمة في البرنامج.
شارك أحمد شفيق أبو عوف في إنشاء أول مجلس أعلي لرعاية الفنون والآداب، وتولي فيه منصب السكرتير العام المساعد (1961). ومن خلال علاقاته برجال الحكم من ضباط الثورة شارك في إنشاء أوركسترا القاهرة السيمفوني، وفرقة المسرح الغنائي، وفرقة الموسيقي العربية مع عبد الحليم نويرة، وفرقة السماح التي لحن أغنياتها ومثلت مصر في 13 مهرجانا موسيقيا عالميا.
وعلى الصعيد المهني انتخب أحمد شفيق أبو عوف نائباً لرئيس جمعية المؤلفين والملحنين، كما اختير رئيساً لمركز موسيقي دول البحر الأبيض المتوسط (1970)، ورئيساً لمعهد الموسيقي العربية (1979). مارس شفيق أبو عوف الكتابة الصحفية والتأليف، وقدم في التليفزيون برنامجا أسبوعيا بعنوان «مع الموسيقي العربية».
على أن الأهم من هذا كله هو أن أحمد شفيق أبو عوف كان من الذين دعوا إلى الحديث عن «الموسيقي العربية» كمدخل مستقل عن «الموسيقي الشرقية»، وقد عبر عن هذه الفكرة في مقدمة كتابه «الموسيقي الشرقية» حيث قال:
«… منذ بدأت أنتظم في الدراسة الموسيقية ثم الاشتغال بها، أي منذ أكثر قليلاً من ثلاثين عاماً، كان الوصف الذي يطلق علي موسيقانا العربية في معرض أي حديث عنها هو الموسيقي الشرقية، ولازلت حتي الآن أستمع إلي كثيرين ينسبون إليها شرقيتها وينكرون عروبتها، بطبيعة الحال من غير عمد، ولكن لأنهم قرأوا ذلك في كتابات الأقدمين علي ندرتها، ثم أخذوا عنهم هذا الوصف وتوارثوه، ولم أترك فرصة أستمع فيها إلي أحد يتحدث عن موسيقانا فيذكرها بقوله «الموسيقي الشرقية» إلا ورددته إلي الصواب بأنها عربية، وأذكر في اجتماع رسمي كبير كنا نناقش فيه مصير فرقة الموسيقي العربية حيث قال الوزير ثروت عكاشة: «أنا لست خبيرا بموسيقانا الشرقية »، فقاطعته في الحال وقلت له في بساطة: «العربية يا أفندم»، وهنا نظر الوزير ممتعضاً إلي الدكتور حسين فوزي، وكان أحد أعضاء هذه الجلسة وسأله: هل صحيح أنها عربية؟ فوافق بالإيجاب».
وكان أبو عوف يقول إنه يمكن لنا أن نصف موسيقانا العربية أنها شرقية إذا أردنا الحديث عنها كحاملة للخصائص التي تميز الموسيقي الشرقية بصفة عامة، وأهم هذه الخصائص «أنها لحنية، وذات إيقاع ساخن وراقص، وتزدان بكثير من الزخارف اللحنية».
وكان أبو عوف يري أن المآخذ التي لحقت بالموسيقي الشرقية ـ ومنها العربية ـ هو افتقارها إلي التدوين الموسيقي، وكان يرجع إلي هذا السبب عدم ذيوعها وانتشارها كما حدث للموسيقي الغربية التي غزت العالم كله بفضل الأخذ بأحدث أساليب التدوين الموسيقي، وكان ينبه إلي أهمية التدوين الموسيقي في حفظ الموسيقي وانتشارها، وبخاصة مع تقدم أساليبه، وهو «الذي أصبح الآن يعبر عن كل خلجة من خلجات النفس البشرية»، وكان يقول إن الشرق لم يفطن إلي الكنوز اللحنية الثمينة التي تكمن في موسيقاه إلا بفضل التدوين الموسيقي الذي مكن موسيقانا من أن تتقدم.
كذلك كان أبو عوف مغرماً بالحديث عن الخصائص التي تميز الموسيقي الشرقية علي الموسيقي العربية وهي: «وضوح الخط اللحني، ووضوح وتنويع وثراء الإيقاع، واستخدام المسافات الموسيقية التي تقل عن نصف المسافة، واللجوء لقدر كبير من الزخارف اللحنية، وأخيراً تلك الخاصية التي تتسم بها كل موسيقي أصيلة في أي بلد في العالم، وهي أنها تحمل بين طياتها الجمالية روح الجماعة وطباعهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الخاصة، لذا فإن أي تأليف موسيقي أو معالجة موسيقية علمية لأي مؤلف شرقي إذا فقد أحد الخصائص السابق ذكرها، لذا فإن النتاج يكون سقيم التعبير، معتل البناء، بعيداً كل البعد عن الأصالة التي هي قوام كل عمل فني جميل ومؤثر وأخاذ وخالد». نال أحمد شفيق أبو عوف كثيراً من التقدير، وحصل على نياشين عديدة في أثناء الخدمة العسكرية. عاش أحمد شفيق أبو عوف طويلا وتوفي في 9 يناير 2004.
تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة
لقراءة التدوينة من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية التدوينة إضغط هنا