كانت العائلات التي تحمل لقب عبد الكريم من العائلات الفنية الأكاديمية التي أسعدني زماني بمعرفتها، وقد أدركت الفنان صلاح عبد الكريم كما أدركت الدكتورة عواطف عبد الكريم عميدة التربية الموسيقية ورائدة التأليف الموسيقي. كان الدكتور صلاح عبد الكريم (1925 ـ 1988) فنانا قديرا، ورائدا من رواد تعليم الفنون الجميلة في مصر، وقد وصل في جيله إلي أعلي المناصب الجامعية التي وصل إليها فنان تشكيلي، حيث عمل نائبا لرئيس جامعة حلوان عقب تأسيسها، وكان قبل هذا عميدا لكلية الفنون الجميلة.
وقد وصف بأنه أربعة فنانين في فنان واحد فقد كان المصمم المزخرف، والمصور، والمثال، والخزاف. وهو صاحب السمكة الشهيرة التي أعجب بها فنان العصر بيكاسو عندما عرضت في بنيالي ساو باولو في البرازيل (1959). ولعلى أنقل عن شيخ الفنانين حسين بيكار فقرة من ثنائه الرائع على صلاح عبد الكريم حيث يقول:
“فليس صلاح عبد الكريم سوى أربعة فنانين كبار.. مجتمعين في شخص واحد.. وإذا أردت أن نتحدث عن جانب من جوانب هذا الفنان – تحتار عن أي الجوانب تتحدث.. فكل جانب من جوانبه موهبة كاملة، وعبقرية فذة، ولا يمكنك في مجال المقارنة أن تفضل بحال من الأحوال صلاح المزخرف.. عن صلاح المثال أو المصور.. فهو كالجوهرة المتألقة لا يمكن النظر إليها من جانب واحد. ومن النادر أن ترى هذا الفنان غير منشغل بعمل جديد بضيفة إلى إنتاجه الضخم.. فهو في جميع ساعات النهار والليل يفكر، ويبتكر.. ويندر أن تجد قبضته خالية من مشعل الأكسجين يعالج به قطع الحديد الخردة، يجمعها ويلحمها، ويخلق منها تحفاً رائعة، كل قطعة تحتل مكانها بدقة وعناية لتؤدي وظيفة تشكيلية معينة.. كل جزء في هذا الهيكل الكبير محسوب ومقدر ومنظم بروح ملهمه، وعقل كبير.
ولد صلاح عبد الكريم في الفيوم عام 1925، وسط جو شاعري جميل، وعشق منذ صغره الرسم والأشغال اليدوية والتشكيل بالصلصال، وصنع الحيوانات وأشكال الأوراق الملونة، وقد جذبته حصص الرسم والأشغال فكان يحرص عليها، وقد حظي بكل ما هو ممكن من التشجيع من والده الذي كان مهندسا للري، وكان يحصل في مادة الرسم علي أعلي الدرجات، لكن أسرته كانت تخشي عليه أن ينصرف إلي الفن بكليته، وهكذا خططت له أن يلتحق في القاهرة بالمدرسة الثانوية النموذجية.
وفي تلك المدرسة الرائدة التقي صلاح عبد الكريم بفنان عظيم كان له فضل تغيير مسار حياته، هو الفنان الكبير حسين يوسف أمين، الذي يعمل مدرسا للرسم والأشغال في هذه المدرسة، وكان يطلب من تلاميذه بتحد أن يرسموا بالزلط والطوب لوحات فنية، وذات يوم قال له صلاح: «ولو طلبت مني الرسم بالحديد فلن أتردد»، ولم تكن المسألة مجرد كلمة أو لفظ أجوف، بل صار الحديد بالفعل هو المادة الخام التي سيطر عليها صلاح عبد الكريم وطوعتها أنامله في أشكال لوحات وتماثيل تحدث عنها نقاد الفن العالمي ومؤرخوه.
ويروي أن الدكتور صلاح عبد الكريم كاد يفقد بصره للأبد عندما تطايرت شرارة لهب في أثناء تنفيذه لأحد التماثيل، ومع ذلك كان يقول ببساطة: «ومن الحب ما قتل»، ويضيف: «إنني لم أحس بطعم الوحدة والغربة إلا في تلك الأوقات عندما اضطررت للسفر إلي إسبانيا لأعالج عيني من هذه الشرارة الشاردة». كتب الناقد العالمي رينيه ويج عن أعمال صلاح عبد الكريم أنها أعمال عالمية المستوي، ومعبرة عن عصرنا الحاضر تعبيرا رمزيا ناجحا. وعندما كان البعض يأخذ عليه اشتغاله برسم القصص في الصحافة، خاصة رسومه لقصة نجيب محفوظ «الختام» المنشورة في الأهرام (1967)، أو «القهوة الخالية» كان يقول لمنتقديه : إن الفنان التشكيلي باقتحامه لأبواب الصحافة والرسم فيها قد ارتفع بذوق القارئ وجعله يتذوق الجمال والفن.
ومع أن صلاح عبد الكريم تولي منصب عميد كلية الفنون الجميلة فإنه كان دائما يقول: إن الجيل الحالي جيل غير عاشق للفن، يبحث عن الشهرة لا عن المجد الفني. نال صلاح عبد الكريم كثيرا من التكريم وحصل علي وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي في الفنون (1964)، وعلي جائزة الدولة التشجيعية في النحت والزخرف (1965).
توفي صلاح عبد الكريم في 1 ديسمبر 1988.
قام الدكتور صلاح عبد الكريم بتصميم ديكورات أكثر من 65 مسرحية وأوبريت منها:
– «شمس النار»، و«السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم.
ـ «المهزلة الأرضية» ليوسف إدريس.
ـ «المحروسة» لسعد الدين وهبة.
ـ «شقة للإيجار» لفتحي رضوان.
ـ «اتفرج يا سلام» لرشاد رشدي.
وقام أيضا بتصميم كل الجوانب التشكيلية في فندق فلسطين في الإسكندرية.
تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة
ولقراءة التدوينة من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية التدوينة إضغط هنا