الرئيسية / المكتبة الصحفية / حيرة قادة ثورة 1952 ما بين الماركسية والاشتراكية

حيرة قادة ثورة 1952 ما بين الماركسية والاشتراكية

كان الزعيم السوفييتي الأشهر نيكيتا خروتشوف لا يخفي ضيقه من تكرار هجوم الرئيس جمال الرئيس عبد الناصر علي الشيوعية، وفي المقابل فقد كان الرئيس المصري كثيرا ما يقرن هجومه على الشيوعيين بالحديث بقدر كبير من الفخر بالاشتراكية العربية التي كان يعتقد أنه أوجدها أو اخترعها أو على الأقل طورها ونجح فيها.

ومن الطريف بل من الطبيعي أن هذا الموقف المتناقض كان مثيرا لأعصاب الزعيم السوفييتي خروتشوف، الذي صارح أحد الوفود المصرية التي زارت موسكو، وكان الوفد برياسة الرئيس اللاحق أنور السادات، بأنه لا يليق بالمصريين وزعيمهم أن يدعوا أنهم ماضون في طريق الاشتراكية، وهم في الوقت ذاته مصممون على أن يخطئوا في حق الماركسية.

من المؤكد أن الرئيس جمال الرئيس عبد الناصر لم يكن ماركسيا بالمعني الحقيقي للكلمة، لكنه في كثير من الأحيان كان يبدو وكأنه قد تبني الماركسية تماما من دون إعلان صريح، وليس أدل علي هذا من أننا نجد من بين المناقشات الكثيرة التي حرص عبد اللطيف البغدادي علي أن يسجلها في مذكراته رواية تفصيلية لمناقشة مهمة بين الرئيس جمال عبد الناصر وزملائه من أعضاء مجلس الرياسة ترينا بعض الاضطراب في فهم الرئيس جمال عبدالناصر لديناميات الأوضاع الاقتصادية والفكر السياسي، ومن ذلك ما يرويه البغدادي عن حوار للرئيس عبد الناصر مع كمال الدين حسين حيث يقول:

“ولقد قال جمال في سياق الحديث إنه متأثر بالفكر الماركسي ولكنه ليس شيوعيا، وإنه مؤمن بأن اشتراكيتنا لابد أن تتطور إلي ملكية الشعب لأدوات الإنتاج بدلاً مما هو وارد في الميثاق عن سيطرة الشعب علي هذه الأدوات، وهذه كانت نقطة جديدة لم يسبق له أن أشار إليها من قبل”.

وهنا يعقب عبد اللطيف البغدادي متوجسا ولافتا النظر إلى ما أدركه من ظهور أو تغلغل (أو استشراء) تيار جديد على فكر جمال الرئيس عبد الناصر وعبد الحكيم عامر معا: ” …. وكنت لاحظت أن عبد الحكيم عامر قد ذكرها قبل أن يقولها جمال، ولكنني لم أعر ذلك اهتماماً لعلمي أنه ـ أي عبد الحكيم ـ يخلط في تعريف مثل هذه الأمور، ولكن عندما ذكرها جمال سألته: “هل هذا يسري علي جميع الوحدات الإنتاجية مهما صغر حجمها؟”، فأكد هذا، وقال: “طالما إن هذه الوحدة بها عمال ومهما قل عددهم، ولأنه في هذه الحالة سيصبح هناك استغلال الإنسان لأخيه الإنسان”.

ومن حسن حظنا أن عبد اللطيف البغدادي روى تفاصيل أهم مناقشة دارت حتى ذلك الحين بين هؤلاء الأقطاب الأربعة، وهي مناقشة دفعت مصر كلها ولا تزال تدفع ثمنها:

* ضرب الرئيس عبد الناصر مثلاً بخاله الذي توفي وكان يكسب ـ على حد قوله ـ ستمائة جنيه في الشهر الواحد من تشغيل ثلاثة لوريات.

* وقال الرئيس عبد الناصر: “وهو طبعاً كان قاعد في المكتب ومستأجر سواقين ويكسب من عرقهم”.

* وسأله كمال الدين حسين: “هل الميكانيكي الذي يملك ورشة صغيرة ويعمل عنده «اثنين» من الصبيان ينطبق عليه نفس الحالة؟”.

* فأجابه الرئيس عبد الناصر: “في تصوري أيوه، أو يشاركوه في الأرباح بنسب متساوية”.

* وجاء رد كمال عليه مفاجأة له ولنا جميعاً على السواء، وذلك بقوله: “يبقي في المشمش”.

هكذا نصل في ذلك الحوار إلى ذروة درامية معبرة سرعان ما وصف عبد اللطيف البغدادي نفسه أثرها فقال: “ويظهر أن المفاجأة في قول كمال الدين حسين عقدت لسان جمال، فنظر إليه باندهاش ولكنه لم يرد عليه.

* وأراد عبدالحكيم عامر أن يخفف من وقع ما قاله كمال الدين حسين فذكر أنه (أي كمال) يقصد أن هذا سيحتاج إلي وقت طويل لتحقيقه!

* ثم عاد كمال الدين حسين وقال: إن كل فرد أصبح غير مطمئن، وفي قلق على مورد رزقه ويخشى أن يقطع عنه.

* ورد عليه الرئيس جمال عبد الناصر بقوله: إنه لا يرفت أحداً وهناك لجنة خاصة للنظر في تظلمات من يصدر ضدهم قرار بالفصل من وظائفهم.

تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة

ولقراءة التدوينة من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية التدوينة إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com