أبدأ بأن أذكر اسم هذا الجندي المجهول الذي لم ينل بالطبع ما يستحقه من التكريم أو المكافأة، هذا الجندي المجهول هو مصطفى القطان الذي كان من المديرين الماليين لشركة النصر لصناعة السيارات. يتمثل جوهر هذه المشكلة فيما لا أزال أكرر قوله بلا ملل من أن المشكلة “العملياتية” الأولى التي تواجه الصناعة الوطنية هي الضغط المتبادل فيما بينها وبين آلية توفير النقد الأجنبي المطلوب لها لشراء المكونات التصنيعية المطلوبة لعملية التصنيع.
بالطبع فإن سعر صرف الجنيه المصري العادل والمستقر يحل هذه المشكلة بيسر ونعومة. لكن عهدا كعهد الرئيس عبد الناصر بمنطقه الواضح في فرض قبضته المركزية وتخطيطه المركزي كان ولا يزال كفيلا بأن يوقف نمو أي صناعة بسبب عجزها عن توفير متطلباتها من النقد الأجنبي.
أذكر لعادل جزارين (في مذكراته التي تدارستها في كتابي ثلاثية الهندسة والصناعة والفن) أنه كان حريصا على نسبة الفضل إلى صاحبه الحقيقي وذلك فيما يتعلق بالحل العبقري (والتلفيقي في الوقت نفسه) الذي أنقذ شركة النصر لصناعة السيارات بتوفير تمويل النقد الأجنبي المطلوب لها، أما صاحب هذا الفضل فهو شخصية غير معروفة على مستوى أصحاب المناصب الوزارية، لولا أن عادل جزارين ذكر اسمه وهو المهندس مصطفي القطان:
“.. وقد لجأت الشركة إلى حل مبتكر أخر لحل مشكلة عدم توافر النقد الأجنبي حيث بدأت هذه الفكرة ببيع السيارات للمصريين العاملين بالخارج، وبصفة خاصة بكل من الكويت، والسعودية، على أن يتم السداد بالعملات الصعبة، وتم الحصول على موافقة وزارة الاقتصاد على استخدام حصيلة البيع في استيراد مستلزمات إنتاج الشركة”.
وقد روي عادل جزارين في مذكراته تفصيلات أخرى: “كان صاحب الفكرة هو المهندس مصطفي القطان مدير البيع والخدمة وعضو مجلس الإدارة في ذلك الوقت، وساعد على نجاحها تحمس السيد محمد غانم رئيس شركة النصر للتصدير والاستيراد لها، والاتفاق على تعاون شركته مع شركة النصر للسيارات لإنجاح هذه الفكرة عن طريق مكاتبها في البلاد العربية”.
“ونجحت الفكرة وأصبحت هذه المبيعات هي المصدر الأول والأساسي للنقد الأجنبي لاستيراد مستلزمات الإنتاج اللازم للشركة”، “وقد وجهت انتقادات شديدة للشركة في ذلك الوقت لإعطائها أولوية في التسليم للحاجزين بالعملات الأجنبية، وبالتالي تأخر التسليم للحاجزين بالعملات المحلية”، “ولكن لم يكن هناك مفر من ذلك، ولا وسيلة أخري للحصول على النقد الأجنبي اللازم للتشغيل، وهكذا أمكن البدء في تشغيل مصانع الشركة، وزيادة إنتاجها تدريجيا”.
ومن الطريف أن عادل جزارين قد عاد لمناقشة هذه المشكلة نفسها حين عادت فتكررت وواجهته هو نفسه في أثناء فترة رياسته للشركة، وهو يحاول أن يثبت أنه لجأ إلى أربعة حلول من دون أن ينصف نفسه، ويذكر نسبة الإسهام التي أسهم كل حل من هذه الحلول بها في حل المشكلة الكبرى، وهي تدبير التمويل بالنقد الأجنبي.
“وللعمل على حل المشاكل التي لحقت بالشركة وضعت منذ البداية أهدافا رئيسية للشركة أعمل على تحقيقها تتلخص جميعها في العمل علي زيادة الإنتاج عن طريق تدبير التمويل اللازم لمستلزمات الإنتاج المستوردة، وزيادة إنتاجية العمالة وكفاءة الإدارة”.
ولتدبير التمويل بالنقد الأجنبي سارت الشركة في اتجاهات أربع:
* “الضغط علي الدولة للحصول علي أكبر قدر ممكن من الحصص النقدية المخصصة للاستيراد، واستخدام التسهيلات الائتمانية المتاحة من الدول المصدرة وهي ألمانيا، وإيطاليا، ويوغوسلافيا باستخدام بعض القروض المتاحة من هذه الدول باستخدام تسهيلات الموردين، وقد فرضت الظروف اللجوء إلى هذا الحل، لكنه ألقي أعباء متزايدة على الشركة فيما بعد لسداد أقساط الديون وفوائدها”.
* “التوسع في البيع للمصريين بالداخل والخارج بالعملة الصعبة واستخدامها في استيراد المستلزمات، وقد تزايد فعلا الإقبال على الشراء بهذه الطريقة”.
* “التوسع في التصدير، وقد نجحت الشركة فعلا في تصدير عدد كبير من الأتوبيسات إلى كل من الكويت والعراق وليبيا، كما نجحنا في التعاقد على تصدير سيارات الركوب إلى العراق، وقد تزايد فعلا إنتاج سيارات الركوب”.
* “العمل علي زيادة نسبة المنتج المحلي، خصوصا في اللواري والأتوبيسات والجرارات لخفض الضغط على الاستيراد لمستلزمات الإنتاج، والعمل على توسيع قاعدة الصناعات المغذية المصرية”.
تم النشر نقلا عن مدونات الجزيرة
ولقراءة التدوينة من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا