القصة الاولي التخاذل في تجنيب الصومال بدايات التغلغل الإسرائيلي
روي الدكتور محمد مراد غالب قصة دور مجهول قدر له أن يقوم به وهو وكيل لوزارة الخارجية المصرية، حيث تمكن بمجهود حثيث من إعاقة دعوة إسرائيل (كدولة) إلى الاحتفال باستقلال الصومال، وذلك على الرغم من أن الرئيس عبد الناصر نفسه لم يكن محبذاً لهذا السلوك الذي يجلب الاستقطاب السريع، وهذا هو ما تعجب له مراد غالب بالطبع فلم تكن الصورة واضحة كما هي الآن:
“… في أول يوليو 1960 جاءت مناسبة استقلال الصومال، ووجدنا أن إيطاليا بادرت بدعوة إسرائيل إلى احتفالات استقلال الصومال، فاستدعيت السفير الإيطالي وأبلغته أن هذا تصرف غير معقول، وإذا تمسكوا بذلك فلن نحضر نحن الاحتفال، وأرسلت للرئاسة، فكتب الرئيس عبد الناصر تأشيرة قال فيها: إن هذا قد يعني أنه لو دعيت إسرائيل للاحتفال فلن نكون موجودين فيه، فاحتفظت بالتأشيرة وأرسلت إلى الحكومات العربية أقترح طلب استدعاء السفير الإيطالي فيها وإبلاغه أن العرب كلهم لن يحضروا، وأننا نطالب بإلحاح بعدم دعوة إسرائيل”.
هكذا بدأ مراد غالب يتصرف منعزلا عن خط الرئيس وإذا به يجد التشجيع من جميع من كانوا يعيشون جو الحماسة الظاهري دون أن يعرفوا أن عبد الناصر نفسه لم يكن متحمسا بنفس قدر تحمسهم:
د.مراد غالب – وزير الخارجية المصري الاسبق
“وجاءني السيد [الدكتور] عبد الخالق حسونة أمين عام الجامعة العربية يستفسر عما إذا كنت قلت هذا لسفير إيطاليا، فأكدت له ذلك، وشرحت له أنني قمت بعمل واسع النطاق بالنسبة لهذه العملية، وأنني سألت السيد محمد فائق، وكان مسؤولاً عن العلاقات مع إفريقيا، هل يستطيع عمل مظاهرة قوية في الصومال ضد مشاركة إسرائيل، وفعلا قامت مظاهرة صاخبة في الصومال ضد إسرائيل”.
وقد جاء الانتصار حليفا للدكتور مراد غالب: “وبعد أسبوع قابلني السفير الإيطالي وقال: لقد عدلنا عن دعوة إسرائيل”. “وكان عبد الناصر قد طلب إرسال برقية يهنئ فيها باستقلال الصومال، ووجدت أن البرقية لم ترسل بعد، فطلبت تأجيل إرسالها”.
“وقد تصرفت كوكيل وزارة له سلطات، وكنت أعتقد أن هذا سيريح أجهزة الرئاسة ولن يعتبروه نوعاً من المنافسة، ولكنني أرسلتها بعد العدول عن دعوة إسرائيل”.
بوسع القارئ أن يفهم بالطبع ما بين السطور فيما كتبه الدكتور مراد غالب وسجله. وبوسعه أيضا أن يدرك لماذا تأخر صعود مراد غالب إلى منصب الوزير فلم ينله إلا في عهد السادات مع أنه لا يحب السادات.
القصة الثانية هي النصيحة الإسرائيلية للصناعة المصرية
وهي قصة طريفة تذكرنا بما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم حين وصف لأحد أصحابه نصيحة الشيطان فقال: لقد صدقك وهو كذوب، وهذا بالفعل هو ما ينطبق على النصح الذي تطوع وزير الصناعة الإسرائيلية بإسدائه إلي عادل جزارين كواحد من كبار المسؤولين عن الصناعة المصرية، وذلك على الرغم من حالة العداء القائمة بين مصر وإسرائيل. ولنقرأ هذه القصة التي لم تنشر إلا بعد سنين طويلة من حدوثها.
عادل جزارين
“في حوالي سنة 1965 تلقيت دعوة من جامعة هارفارد الأمريكية لحضور ندوة تنظمها الجامعة في أحد المنتجعات الشهيرة بجوار مدينة انسبروك النمساوية، وكان موضوع الندوة هو مناقشة التطورات الاقتصادية المتوقعة في العلاقات بين الغرب ودول منطقة الشرق الأوسط. وكان برنامج الندوة لثلاثة أيام مع الإقامة في هذا المنتجع الذي اشتهر بأنه تم فيه تصوير فيلم “صوت الموسيقي” الذي لاقي نجاحا كبيرا. وفوجئت بأن إسرائيل كانت ممثلة في المؤتمر، وكان ممثلها هو وزير الصناعة الإسرائيلية في ذلك الوقت.
ثم يقدم عادل جزارين تلخيصا للجو الذي جعله يتورط في المحظور ويستجيب لتبادل الحديث مع وزير الصناعة الإسرائيلي:
ورغم العلاقات العدائية بين مصر وإسرائيل في ذلك الوقت، إلا أن التواجد معا في مكان واحد لمدة 3 أيام في جو بعيد عن السياسة قد نجح في إزالة الجفاء بيني وبينه في البداية، وحدث نوع من التقارب بيننا، وفي مساء أحد الأيام وبعد انتهاء جلسات المؤتمر جلسنا سويا وطلب أن يتحدث معي بصراحة عن أوضاع الصناعة في مصر وفي إسرائيل، وهذا هو ملخص حديث وزير الصناعة الإسرائيلي لرئيس شركة مصرية، وأذكر تمام حديثه حتى الآن حيث قال لي:
إنكم في مصر تريدون صناعة كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، كما تريدون وتهدفون إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعة، وهذا خطأ جسيم، ففي إسرائيل قد بدأنا أيضا بهذا المفهوم، وأردنا تصنيع كل شيء، ولكن سرعان ما تبين لنا خطأنا فوضعنا استراتيجية للصناعة الإسرائيلية تقوم فيها بالتركيز على ثلاثة مجالات صناعية فقط وهي:
* صناعة الطائرات.
* صناعة الدواء والكيماويات.
* صناعة الإلكترونيات والصناعات التكنولوجية المتقدمة.
“وقد راعينا في اختيار هذه المجالات أنها تخدم المجهود الحربي، وبالتالي فقد نجحنا في تطوير هذه الصناعات وأصبحت إسرائيل من رواد العالم في هذه الصناعات، وتقوم بتصدير منتجاتها من هذه الصناعات إلى الأسواق العالمية، ولذلك فمن رأيه أنه يجب أن نقوم أيضا في مصر بالتركيز على مجالات صناعية محددة تتوافر لها فرص النجاح. وقد ناقشنا هذا الموضوع طويلا ورأيت أن وجهة نظره مقنعة تماما.”
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة نت
ولقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا