نستعير من الأديب العظيم جورج برنارد شو عنوان حيرة طبيب ونجعله حيرة محام للتعبير عما تتضمنه هذه التدوينة. فقد حاول محمد عبد الرحيم عنبر منذ ثلث قرن أن يحلل ما سماه لغز أو ظاهرة أشرف مروان فكتب في لهجة خطابية يقول:
“إنه اللغز الذي حير أكثر المراقبين السياسيين في العالم العربي، بل في الشرق الأوسط كله فقد ظهر هذا الشاب فجأة واختفي فجأة تماماً كالشهب والنيازك في عالم الفضاء التي تبرق في السماء وتمرق ثم تسقط على الأرض محترقة وحتى في هذا يختلف ذلك الشاب فقد خرق قوانين الطبيعة مرتين: مرة في ظهوره ومرة في اختفائه!”
“ولازال اللغز قائماً ومحيراً، فقد ظهر أول ما ظهر- كمفوض فوق العادة للرئيس السادات وهو -بعد- حديث التخرج شغل زملاؤه الدرجة السابعة الفنية”.
“ولقد تساءل كل الناس همساً عن سر هذا المركز المرموق وسرعة الوصول إليه مخترقاً بذلك قوانين الطبيعة قوانين السياسة وقوانين المنطق رغم أنه ليس له أية خبرة سياسية سابقة معروفة”.
“…. دائم السفر في مهمات رسمية خطيرة إلى الملوك والأمراء ورؤساء الدول العربية ورغم أنه كان في ذلك الوقت بجوار الرئيس السادات عدد من كبار عمالقة السياسة المخضرمين بلا عمل أمثال الدكتور محمود فوزي، واللواء حافظ إسماعيل والدكتور محمد حسن الزيات كما كان إلى جواره أيضاً نائب رئيس الجمهورية السابق السيد حسين الشافعي الذي لازم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر”.
وقد مضي عبد الرحيم عنبر في وصف حيرته أمام اللغز فقال:
“وكان الدكتور أشرف مروان كأبطال الاساطير: يعيش في الجو في الغربة أكثر مما يعيش في مصر فما أن تهبط طائرته الخاصة من رحلة من تلك الرحلات المثيرة حتى ترتفع به مرة أخري إلى رحلة أخري وهكذا كان أشبه ما يكون بالصواريخ العابرة للقارات”.
“وكانت تروي عنه قصص أسطورية من نوع آخر غير قصص المهمات الرسمية التي كان يكلف بها. فقد أشيع عنه يوما أنه هو بعينه الشاب العربي الذي ذكرت الصحف عنه تلميحاً أنه سرق منه في أحد الفنادق الكبرى في لندن مجوهرات بحوالي 40 ألفا من الجنيهات.
“ولقد نشرت الصحف أن زوجته كريمة الرئيس الراحل عبد الناصر تقدمت لشراء عمارة كبيرة من إحدى شركات المقاولات كانت تعرضها للبيع. ولقد التقطت إحدى الصحف هذا الخبر وتساءلت أين للسيدة مني عبد الناصر هذا المبلغ الضخم قد أرسل الدكتور أشرف رداً ساذجاً يتضمن أن الشراء حق مباح لجميع المصريين، وأن زوجته كانت لا تعلم أن ثمن العمارة عشرات الآلاف من الجنيهات.”
“ولكن إحدى صحف دار التعاون أكدت هذه الواقعة ونشرت أن السيدة مني عبد الناصر قد عرضت ثمناً للعمارة 150 ألفا من الجنيهات تحدته أن يكذب هذه الواقعة وأن يبين مصدر هذا المبلغ الضخم فسكت عن الجواب”.
وفي موضع تالٍ أبدي الأستاذ محمد عبد الرحيم عنبر المحامي عجبه من تعيين أشرف مروان في منصب رئاسة هيئة التصنيع الحربي العربية ظنا منه أن المنصب عسكري بينما الأمر ليس كذلك، وبينما كان أشرف مروان نفسه قد نال رتبا عسكرية ككيماوي في القوات المسلحة في بداية حياته: “ولما كثرت الاقاويل والإشاعات أعفي من منصبه وظن الناس أنه سيتوارى عن الأنظار، إلا أنه كما خرق كل قوانين الطبيعة والسياسة مرة فقد خرق هذه القوانين مرة أخري وقرأ الجمهور العربي في الصحف نبأ تعيينه رئيساً لمجلس إدارة هيئة التصنيع العسكرية العربية لتي تصنع السلاح لكل العرب والتي تساهم في رأسمالها الضخم عدة دول عربية من دول البترول”.
“وبدأ الناس يتساءلون أيضا: ماهي مؤهلات سيادته التي رشحته لهذا المنصب العسكري الخطير، هو رجل مدني ليس له أدني دراية أو خبرة سابقة بالشئون العسكرية الاسلحة العسكرية”.
لكن الأهم من هذا هو ما انفرد الاستاذ عنبر بذكره مما ليس مشهورا في أدبياتنا التاريخية من أن أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني قد تقدم بسؤال لوزير الدفاع هناك عن سبب تقاعس وزارته في بيع مائة طائرة حربية لمصر، وما أجاب به هذا الوزير:
“وقبل أن نترك هذه التساؤلات المحيرة نذكر أن الأسلحة أكثر السلع عطاء في العمولات لقد نشرت الصحف البريطانية أن أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني قد تقدم بسؤال لوزير الدفاع هناك عن سبب تقاعس وزارته في بيع مائة طائرة حربية لمصر ما أعطي لفرنسا فرصة الحصول علي هذه الصفقة التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات قد رد وزير الدفاع علي سؤال النائب البريطاني بأن الوسيط في هذه الصفقة طلب 10% عمولة لا تثبت في فاتورة البيع ولكن الوزارة رفضت ذلك بحكم التقاليد ألأخلاقية الإنجليزية التي تحرم إعطاء عمولات بهذا الشكل المريب”.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة نت
ولقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا