ترمب في مرايا الأميركيين

 

لا أستطيع أن أنكر أن الحديث عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد  استحوذ على كثير من أحاديثي العابرة وغير العابرة مع نماذج متعددة من الأميركيين، وأن الآراء التي بدت وأبديت في هذه الحوارات كانت من التعدد والتنوع والتعارض والاختلاف بحيث يصعب إخضاعها كالعادة لنماذج معدودة تمسك بها الأصابع الخمس.

ولهذا فقد آثرت لهذا المقال أن يستعرض 12 رؤية من الرؤى المتعلقة بسياسة ترمب وعكستها مرايا مواطنين أميركيين يتمتعون بالقدرة  على التعبير الكاشف عن مكنونات عقلية ووجدانية ذكية:

– الأميركي المتعقل: أو المعتمد على دراسات الجدوى والتوقعات المحسوبة والمتحسبة، وهو يرى أن أميركا الآن أصبحت كالمقامر بثروته كلها،  فهي إما أن تكسب كل شيء أو تخسر كل شيء؛ إما أن تعلو علوا لم تشهده من قبل أو تبدأ الانحدار في طريق الانهيار.

ومع أن مثل هذا الأميركي يتلمظ للانتصار الذي من الممكن أن يتحقق، فإنه في الوقت ذاته يضع يده على قلبه خوفا من الانكسار الذي لم تعهده أميركا من قبل. وهو بالطبع لا يمانع في أن تأتي له موجة من موجات الرواج.

– الأميركي الحالم: يرى أن سياسات ترمب ستكون -إن صادفت إخلاصا بيروقراطياً وتشريعيا وصمتا إعلاميا مناسبا- قادرة على أن تحقق لأميركا ذروة من ذُرى النمو الاقتصادي التي تكررت طوال  التاريخ الأميركي؛ وكانت في أغلبها نتيجة طبيعية لشرارات التصور غير المألوف أو التفكير خارج الصندوق المتاح.

ويبني هذا الأميركي الحالم نظريته على الفكرة الجذابة التي تقول إن تغييب الحسابات قادر على أن يحقق ما لا يحققه تنفيذ أفضلها وأدقها، شريطة أن يقترن هذا التغييب باستحضار روح الإمبراطورية استحضارا صادقا وجادًّا.

– الأميركي القلق: يخشى أن تكون هذه المناقشات دليلا على بدايات غير مطمئنة في ما يتعلق بما تحسب له الأميركيون الأوائل من ظهور مفاجئ لأية نزعات انفعالية، وكفيلة بأن تؤدي إلى التصدع في البنية الاجتماعية للمجتمع الأميركي، أو تؤدي حتى إلى تصدع الصورة الظاهرة من التماسك المتزن.

أو تؤدي على أقل تقدير إلى تصدع في الانطباع الداخلي أو الذاتي عن هذه الصورة التي تفخر بها أميركا، والتي كانت بالفعل صورة حقيقية لتفاعلات إيجابية حقيقية كانت تجمع بين متوالية من أربعة عناصر:

1- القدرة على التذمر من كل ما قد يبدو وكأنه مجافٍ للعدل.
2- القدرة على التحرر من تراث القواعد التي خلقت أية حالة بدت وكأنها لا تتسق مع المنطق المرتبط بالمنفعة الحدية من ناحية وبالقيمة المضافة من ناحية أخرى.
3- القدرة على تقييم النِّعم والمزايا المتحققة عبر المؤسسة.
4- القدرة على الحفاظ على التفوق والألق الناشئ عن الاستقرار.

– الأميركي “السينمائي”: يعتقد يقينا أن المخرج هو سيد الموقف، وأن النجم السينمائي الأول ليس أبدا سيد العمل ولا الموقف. وهو يؤمن -بخبرته العقلية المتطورة في الفهم والواسعة في الخيال- بأن دولته العميقة قادرة على ضبط الأمور في اللحظة المناسبة، حتى ولو اقتضى الأمر اختفاءً مبكرا للبطل أو ظهورا غير متوقع لبطل جديد من داخل نظام البطل نفسه.

– الأميركي المتدين: يؤمن بأن الرب ينبه أميركا إلى أنها تستحق عقابا من هذا النوع الذي يسيطر القلق فيه على نهار الإنسان وليله على حد سواء؛ وهو يرى السبب في هذا راجعا إلى أن بلاده أسرعت في المضي على درب الخطايا خلال سنواتها الأخيرة، فتبنّت مثلا رؤى لا دينية في تعاملها مع قضايا من قبيل الإجهاض.

كما تبنّت مواقف لا أخلاقية تمثلت في خذلانها استغاثات السوريين بعد أن وعدتهم بالنصرة، بل ووصلت إلى حدود غير معقولة من التآمر غير المبرر على الديمقراطية في مصر، وعلى المسلمين المسالمين في أكثر من عَشرِ بُؤرِ صراعٍ في العالم القديم.

– الأميركي المتعصب: يختلف في تجليات أحكامه عن الأميركي المتدين رغم أنهما قد ينطلقان من قاعدة واحدة أو جذور مشتركة، لكنه يرى في الرئيس ترمب هبة “معتادة” من السماء، قادرة على أن تصحح ما حدث من إضفاء الشرعية على زواج المثليين، وتميل إلى استبقاء القيود التقليدية والدينية بدلا من تخفيفها بَلْهَ التحرر منها.

ويميل هذا الأميركي المتعصب إلى أن يَقصر حقوق الإنسان على من يريد أن يعتبره ذا حق فيها، وذلك في مقابل القول الطبيعي بعمومية هذه الحقوق دون تمييز.

ويكاد هذا الأميركي المتعصب يتبنى بلا مواربة رؤية اليهود في الانتصار لأنفسهم فقط على حساب كل الأغيار، وهي الرؤية التي عبّر عنها القرآن الكريم بلفظه المحكم: “ليس علينا في الأميين سبيل”.

– الأميركي الرياضي: لا يرى الأمرَ إلا في إطار بطولة لن يطول أمدها لأنها لابد من أن تنتهي إلى نتيجة، وهو لا يعوّل على أن يحدث في المستقبل أي تغيير في تاريخ اللعبة نتيجة لهذه المسابقة أو البطولة، وإنما أقصى ما يمكن أن تحققه هذه التجربة -في مسار التاريخ الرياضي- هو أن تُسجل فيها -ولا نقول تتحقق- أرقام قياسية لم تُسجل من قبل.

وهو لا يُنكر أن هذه الدورة من دورات البطولة قد صادفت اهتماما إعلاميا غير معهود وإن لم يكن مستبعدا، لكنه يظل في إطار قاعدة تفاوت حظوظ الدورات من اهتمام الإعلام، وهو يرى أيضا أن هذا قد حدث بسبب عوامل ترتبط بوسائل الإعلام أكثر من ارتباطها بالموضوع نفسه.

– الأميركي الحاسم: يرى أن الأوان قد آن لتنطلق أميركا في تحقيق أحلام الهيمنة التامة على مقدرات الأمور والثروات، بحيث لا ينمو إلا من تريد له النمو ولا يتحرك إلا من تريد له التحرك.

ويرى الأميركي الحالم أن المنع من دخول أميركا ليس إلا مقدمة لإنهاء وجود من يخرج عن طوعها، ومن ثم فإن الخطوة التالية ستتحقق تلقائيا، وهي أن يصبح العالم مجتمعا أبويا (بطريريكياً) بكل ما تعنيه الأبوية، وهي فكرة تتجاوز فكرة القطب الواحد.

وهو (أي الأميركي الحالم) يؤسس على هذا توقعاتٍ مشروعة بالثراء الأميركي القافز عبر ارتفاع سعر صرف الدولار وأرقام الدخول المالية  ووفورات الميزانية، فضلا عن توفير الموارد المنفقة في العديد من حالات التورط.

– الأميركي الساخر: يرى أن الدور المؤدَّى الآن على مسرح السياسة ليس إلا معادِلا موضوعيا لصيحات العبث في المسرح أو موجات الهيبيز في تاريخ الشباب، وأن هذا الذي يحدث شبيه في آليته بقانون الزلازل والبراكين التي تساعد الكوكب الذي نعيش عليه على أن يتخلص من  الشحنات الكهرومعناطيسية الزائدة، عبر انفجار جزء من القشرة الأرضية بدلا من أن تنفجر الكرة الأرضية كلها.

وهو يبرهن على صواب رؤيته بأن هذه التصرفات التي ننظر إليها على أنها حماقات قد حققت بالفعل أكبر قدر ممكن من الانفراج في أزمات عديدة، كانت تتعقد كلما اقترب منها نظام باراك أوبامابالآليات الملتبسة التي تزيد التعقد الذاتي، بل وتضاعف روح التشبث بالمواقف عند الأطراف المتصارعة.

على حين أن الأطراف المشتبكة في أي نزاع راهن أصبحت تحاول التوازن حتى لا تستثير منظومة القرار السياسي الأميركي، وهذا في حد ذاته مكسب كبير.

– الأميركي المتغطرس: يرى أن ترمب لم يفعل شيئا لم يعد بإنجازه من قبل، ولم يقل شيئا لم يصرح به في أثناء الحملات وقبل الانتخابات. صحيح أن منتقديه لهم حق في انتقاد بعض مقارباته، لكنه رجل قوي ومن حقه أن يمارس القوة.

وهو يرى أن الأسلوب الذي يتبعه ترمب هو الخيار الوحيد القادر على أن يخفف غلواء من يعوقون الصعود الأميركي بأحاديث مختلقة عن حقوق الإنسان وحماية البيئة، وما إلى ذلك مما يصفه المتغطرسون بأنه باطل يراد به باطل، وليس حقا يراد به باطل أو يراد به حق!!

– الأميركي المتسلط: يرى أن الرئيس ترمب يمتلك الخلطة السحرية المطلوبة للعصر الراهن الذي نعيشه، و أن واجب أميركا الأول هو أن تحافظ على نفسها قبل أن تحارب من أجل قيمها، وأن تعنى بمواطنها قبل أن تعنى باللاجئ إليها، بل أن تعنى بمن يدفع الضرائب قبل أن تعنى بمن يستفيد من الضرائب.

وهذا الأميركي المتسلط لا يكرر مزاعم اليوجينيين القدامى الذين قالوا إنهم لا يهمهم إلا الصفوة فحسب، ولكنه يعبر عن دهشته من تأخير أميركا لدورها وواجبها الأممي في إظهار الازدراء الواجب تجاه الضعفاء.

– الأميركي العملي: يؤمن تماما بأن الدنيا تسير، وأن الرئيس الخامس والأربعين رئيس سبقه أربعة وأربعون رئيسا وسيتبعه رؤساء آخرون، وأن ما يحدث الآن هو دليل حيوية تستدعي الإعجاب لا القلق، وأن الناجح هو من يتأقلم لا من يحاول أن يفرض رأيه.

وهو يرى أن الرئيس ترمب سيحصد مع الزمن إعجاب بعض معارضيه، كما سيخسر بالطبع إعجاب بعض مؤيديه، وأنه سينجح في فرض بعض رؤاه على نحو ما، وسيقبل ببعض من يعارضونه ويريدون هدمه.

تاريخ النشر : 12/03/2017

تم النشر نقلا عن موقع  الجزيرة نت

ولقراءة المقال على موقع الجزيرة.نت  اضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com