الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات ماقبل الجزيرة / الأهرام / الدعوة إلى الإسلام أجدى من الدفاع عنه

الدعوة إلى الإسلام أجدى من الدفاع عنه

 

 

 

يبدو لي أن أعداء الإسلام التقليديين يواصلون باستمرار وبازدهار نجاحهم في وضع المسلمين في خانة المتهم المطالب بتقديم مسوغات الدفاع عن نفسه وعن معتقداته وعن سلوكه ، وإذا بالمسلمين أنفسهم ( هم ومن يتحيز إليهم ) ينساقون أو ينزلقون أو يتدحرجون إلى الانحصار في الدفاع عن الإسلام في مواجهة الدعاوى التي تثار حوله وحول معتنقيه ، رغم أن المقتضيات المنطقية والفكرية لا تلزم بهذا و لا تدفع إليه ، ورغم أن الدفاع عن النفس لا يتطلب مثل هذا الأسلوب ، ورغم أن الاعتزاز بالإسلام وقيمه لا يتحقق عن مثل هذا الطريق ، وفضلا عن هذا فإن الانشغال في مثل هذه الدفاعات كفيل في حد ذاته بتقليص صورة المشاركة الطبيعية للمسلمين في الحياة وتحويل هؤلاء المسلمين ( أو المتشيعين له من بين أهله ) من أناس طبيعيين وطموحين إلى متهمين ومحاصرين ومقيدين ، وبذلك بدون أية فائدة من ناحية ، ولا أي داع من ناحية أخرى .

وربما أجدني بحاجة إلى أن أذكر مثلاً بارزاً للردود المعبرة عن سرعة البديهة وعن جوهر الحقيقة في الوقت ذاته قبل أن أنتقل إلى موضوع حديثي .. ذلك أنه في الأعقاب المباشرة لأحداث ١١ سبتمبر ذهب أحد زعماء المسلمين الأمريكيين المشهورين إلى موقع الحادث ، فما كان من بعض الصحفيين الموجهين إلا أن ألقوا في وجهه بالقول السهل : هذا ما فعله المسلمون !! وكان رده للتو وفي نفس اللحظة : لقد كان هتلر مسيحياً !!

ومبلغ ظني أن دائرة الحديث عن نبذ الإسلام للعنف لن تنتهي بإقرار هذه الحقيقة المتعلقة بنفي التلازم بين الإسلام والإرهاب ، ولهذا السبب فإني لا أستطيع أن أفهم كيف ينشغل علماء أجلاء ومفكرون كبار وأصحاب أقلام في أن يكتبوا المقالات والفصول تلو بعضها في فكرة نبذ الإسلام للعنف ثم ينشرونها بين المسلمين بينما هم يتحدثون عن أمر معلوم من الدين بالضرورة ، وبينما هم يتجاهلون ما هو أدعى إلى بذل الجهود من أجله .. ولكن ماذا نفعل وإغراءات الحديث على هذا النحو كثيرة ، من دعوات إلى مؤتمرات وإلى ندوات وإلى سفرات وإلى مكافآت وإلى تلميع وتسطيع … والأمر مع هذا لا يعد تكراراً لحديث بدهي في مجتمع ليس في حاجة إلى سماع هذا الحديث في وقت ينوء بأثقاله و لا يرحب بالضياع .

وأعود لألفت النظر إلى حقيقة مهمة لا ينبغي أن نتجاهلها ونحن نتحدث عن نبذ الإسلام للعنف وهي حقيقة أن الإسلام لا يزال وسيظل يحتفظ بتقديسه وإعلائه لشأن فكرة الفداء والاستشهاد ، وهي الفكرة التي تحاول المجتمعات الغربية من ناحية أخرى ودون هدف واضح أن تستأصلها تماما بحكم تنامي منظومة القيم التي تدور دعايتها في فلك فكرة إعلاء قيمة الاستمتاع بالحياة ومباهجها .

ومع أن جوهر الفكر الإسلامي لا يعارض في هذه الفكرة التي تدعو إلى الاستمتاع بالحياة و إنما يهذبها ويعمقها بالامتداد بالحياة نفسها إلى العالم الآخر الذي هو الأخلد والأبقى والأبدى ، إلا أن بعض كتابات الحضارة الغربية لا تمل و لا تيأس من مواجهة مثل هذه الأفكار الروحانية التي لا يزال الإسلام يطرحها بوسائلها التقليدية متمثلة في الإلحاح على الحاضر ، وتصويره في صورة ” الحقيقة الوحيدة ”  بناء على فكرة تقديس الأمر الواقع الذي تدركه الحواس ووضعه أو تصويره على نحو يفوق بالطبع ما قد يصل إليه الخيال من تصور العالم الآخر .

وعلى الرغم من هذا كله فإن الطبيعة “الحقيقية” و “الفطرية” للنفس البشرية تمضي في اتجاهات متعددة تستعصي في مجمل مساراتها على أن يحيط بها إدراك الحضارة المادية أو تصورها ، على حين أنها في الوقت ذاته كثيرا ما تتلاقى في النهاية مع التصور الذي تقدمه دعوات القيم المنتصرة للروحانيات وفي مقدمتها الإسلام .

ولهذا السبب فإني أتصور أن المسلمين ومفكريهم مطالبون بمسلك مختلف عن المسلك الذي فضلوا اللجوء إليه في الوقت الراهن ، وبوسعي أن ألخصه في الفقرات التالية : 

أبدأ بالإشارة إلى إحدى الحقائق المهمة وهي أن القيم الإنسانية العامة ( ولا نقول الإسلامية أو الروحانية ) تعلي بشدة من قدر فضيلتي الإيثار و إشراك الآخرين في السعادة و الاستمتاع بما هو ممكن للجميع ، وتدعو بطريقة تلقائية إلى ضرورة انتشار مثل هذه القيم وسيادتها ، ويتبدى هذا المعنى واضحاً على سبيل المثال في تعبير الإنسان عن سعادته وهو يحكي للآخرين عن استمتاعه بشيء بادئا الحديث بقوله : “ليتك كنت معي ” ، ولما كان الأمر كذلك ، فإن هذه القيم نفسها كفيلة بأن تفرض على كل مسلم موقفاً إيجابياً من دعوة الآخرين إلى أن يشاركوه السعادة والاستمتاع بما تتيحه له العقيدة الإسلامية من سمو أخلاقي واستقرار نفسي وهناء اجتماعي ، وهو المعنى الذي يتمثل في بساطة شديدة في إعلاء فكرة الدعوة إلى الإسلام واعتبارها من الواجباتالتي يجب على السعداء بالإسلام أن يمارسوها بإيجابية ليشركوا غيرهم في النعمة التي اتيحت لهم باعتناقهم للإسلام أو خروجهم إلى الحياة مسلمين .

على أن هذا لا يعني بالضرورة أن كل من يحمل لقب المسلم ملزم بهذا لأننا لا نزعم أن كل مسلم قد وصل إلى القدرة على الدعوة فضلاً عن وصوله إلى هذه المستويات المعقولة من سمو الخلق و استقرار النفس والهناء الاجتماعي، وهنا ربما يثور السؤال التقليدي : هل تعتقد أن كل مسلم مكلف بهذه الدعوة بحكم إسلامه ؟ أم أنها لابد أن تقتصر على أولئك الذين حققوا هذه المستويات الخلقية و النفسية و الاجتماعية بحكم ما وصلوا إليه ؟! وحققوا بالإضافة إلى هذا القدرة على التعبير عن سعادتهم واستمتاعهم ، وعن تحديد السر الحقيقي في هذه السعادة ، وهذا الاستمتاع ؟

بعبارة أخرى هل يمكن أن نتصور أن كل المسلمين مطالبون بالدعوة إلى الإسلام على نحو ما هو متاح لهم في ممارستهم وتصورهم ؟ أم أن هذه الدعوة تظل منوطة فقط بأولئك الذين وصلوا إلى مرحلة محددة من الانتماء لمنظومة القيم الإسلامية ؟

وربما يتطرق بنا التفكير على هذا النحو إلى طرح السؤال المرتبط بمدى مشروعية قيام كل صاحب عقيدة بدعوة الآخرين إلى عقيدته .

ربما يجيب مثل هذا السؤال عن نفسه بما هو حادث على أرض الواقع ، ولكن الواقع للأسف الشديد ينبئنا أن العالم الذي نعيش فيه لا يزال – حتى اليوم – يعاني من الحساسية المفرطة تجاه سياسات التبشير ، وأن هذه السياسات على الرغم من الموازنات الضخمة التي رصدت لها لم تحقق ما هو مطلوب ولا ما هو مستهدف ، بل إن هذه السياسات لم تؤت ثمار نجاحها إلا حين ارتبطت بتقديم العون الاقتصادي إلى من هم في أشد الحاجة إليه على جميع المستويات .

على أن بارقة الأمل الكبير تنبئنا – من ناحية أخرى – أن الإقبال على اعتناق الإسلام قد صدر في كثير من الحالات عن منطلقات مختلفة تماماً ، وأن هذه المنطلقات كانت لحسن الحظ فكرية وعقلية وخلقية في المقام الأول ، ولم يحدث في عصرنا الحاضر أن اعتنقت جماعات كبيرة أو صغيرة الإسلام من أجل حاجة اقتصادية أو هدف معيشي .. بل لم يحدث خلال القرن الماضي كله أن سعى أحد إلى الإسلام من أجل تحقيق النفوذ السياسي أو الاجتماعي .. وإن كان هذا لا يمنع ما فصلنا التنبؤ به في مجموعة سابقة من المقالات  من إمكانية توجه أمريكا إلى اعتناق الإسلام .

وكل هذا إذا ما فهم على نحو جيد يكفل لنا أن نفهم وأن نقدر مدى القوة الكامنة في القيم الإسلامية الكفيلة بتقديم نفسها إلى ذوي الألباب في العصر الحاضر .

والذين يقرأون التاريخ الإسلامي يستطيعون أن يدركوا ، بكل وضوح ، أن الصراع المتصور بين المسلمين و بين غيرهم لن ينتهي بالقضاء على المسلمين و لا على الإسلام ، ولكنه سينتهي باكتشاف الإنسانية المتفتحة في العالم المتقدم لمدى خصوبة و ثراء القيم الإسلامية ، وسيعتنق هؤلاء الإسلام ، وستكون معركتهم الحقيقية هي الإنتصار للإسلام الحق على نمط آخر من السلوك اكتسب مسمى الإسلام بدون وجه حق .

وعندئذ فلربما تكون نهاية التاريخ متمثلة في الصراع بين إسلام حقيقي تقدمي و بين جهالات قديمة أو حديثة حملت اسم الإسلام و ظنته من حقها وحدها !

ومع أن العصر الذي سيشهد هذا الصراع قادم لا ريب فيه ، فإن بإمكان المسلمين المتنورين الإسراع به ليكون لهم شرف المحاولة في صنعه ولا نقول في فرضه ، ولتكون لهم السعادة المتمثلة في أن يعيشوه .

وكل ما يمكنني أن أقوله في هذا المجال أن الدعوة الحقيقية إلى الإسلام أسهل بكثير من الدفاع الملفق عنه ، هذا فضلا عن أنها أجدى بكثير من هذا الدفاع .. أجدى على الإسلام ، وأجدى قبل هذا على الإنسانية كلها بما فيها بالطبع من يصنفون أنفسهم أعداء للإسلام وللمسلمين بل وللإسلاميين .

والله غالب على أمره .

 

المصدر : الأهرام

تاريخ النشر : 2002/3/16

نشر هذا المقال كأحد فصول كتاب ” المسلمون والأمريكان في عصر جديد ” 

لقراءة الكتاب وللتحميل المجاني اضغط هنا 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com