ربما كان من المفيد أن نواصل ما بدأناه أمس من تأمل في مقال إحسان عبد القدوس عن الجمعية السرية التي تحكم مصر ، حيث يصف تصرفات العهد الجديد (وقتها) بألفاظ دقيقة تصلح أيضا لوصف حالة مصر في العام الماضي من حيث افتقاد التواصل بين الحاكمين والمحكومين .
وقد أبدع إحسان عبد القدوس كعادته في وصفه دون اللجوء إلى نظريات أو تهويمات أو مغيبات أو تعميات ، بل إنه على العكس من ذلك كان موفقا في حرصه على أن يسمي الأشياء بأسمائها، وقد كان هذا بالطبع سبباً مبرراً لافقاده حريته .
يقول إحسان عبد القدوس في مقاله ضمن ما يقول :
” … أعمال هذه الجمعية السرية تخفي ، ولاتزال ، حتي علي مَنْ يتعاون معهم من الوزراء والمستشارين ” . ” وعندما كان علي ماهر رئيساً للوزارة الأولي عقب الثورة ، كان يٌفاجأ بالقرارات التي تصدر، كما كان يٌفاجأ بها كل الناس ” .
” فوجئ بقرار تحديد الملكية ” .
” وفوجئ بالقبض علي زعماء الأحزاب ورجال السياسة ” .
” وفوجئ بجميع الخطوات التي تمت في عهد وزارته والتي كان المفروض أن يشترك في تحمل مسئوليها، ثم لم يعد يتحمل مزيداً من المفاجآت ” .
” وبعد أن تولي الرئيس محمد نجيب رئاسة الوزارة ، لم يتغير الحال ، وظل مجلس الوزراء ليس له من سلطات إلا سلطات إدارية وفنية ، ولا يدري شيئاً عما يدور هناك في مجلس الثورة ، ويفاجأ كما يفاجأ كل الناس بالقرارات الخطيرة التي تصدر ويتوالي صدورها، ويقرأ في الصحف أخبار الاجتماعات والمقابلات والمباحثات كما تقرؤها أنت، وكما أقرؤها أنا ، حتي أجمع الوزراء المدنيون علي تقديم استقالاتهم علي تجاهلهم وجهلهم بمجريات الأمور، وقدموا استقالاتهم فعلا إلي الأستاذ سليمان حافظ الذي كان نائبا لرئيس مجلس الوزراء ، ثم سحبوها بعد أن وُعدوا بأن يٌعرض عليهم كل شيء ” .
” ولكن كل شيء لم يعرض عليهم !! ” .
” حتي بعد دخول العسكريين إلي الوزارة ، وبعد تكوين المؤتمر المشترك ، ظل مجلس الثورة جمعية سرية ،لا يعلم مجلس الوزراء ولا المجلس المشترك عنها شيئاً ” .
” ولم يحاول أحد من الوزراء الاستقالة مرة ثانية احتجاجاً علي هذا الوضع ، وكل ما كان يعتذر به أحدهم أمام أصدقائه قوله: إنه معتقل داخل الوزارة !! ” .
” ومن خلال كل ذلك كانت الظروف قد اضطرت أعضاء مجلس الثورة إلي الظهور أمام الناس ، عُرفت أسماؤهم ، وعرفت صورهم ، وعرفت مناصبهم ، ولكن أحدا لم يعرف ماذا يعملون داخل مجلس الثورة !! ” .
وقد حرص إحسان عبد القدوس على أن يعترف بحدود تجربته الشخصية المباشرة في ذلك الوقت حيث يقول :
” كنت قد بدأت كشف الستار عن أوضاع قادة الثورة بنشر خبر صغير في ” روز اليوسف ” بعنوان ” الرجل الثاني” قلت فيه: ” إن جمال عبد الناصر هو الرجل الثاني في الثورة بعد الرئيس محمد نجيب ” ، هذا الخبر الصغير تربت عليه نتائج خطيرة لم تظهر آثارها إلا في هذه الأسابيع الأخيرة ، ولا أستطيع سرد جميع التفاصيل !!” .
نٌشر بتاريخ : 2012/11/26