تختلف الآراء عن حدوث الخلاف بين عبد الناصر والإخوان ، هل وقع هذا الخلاف بسبب مقابلة الهضيبي الجافة لعبد الناصر وعدم رضا عبد الناصر عن هذا اللقاء؟ أم كان السبب هو انحياز الإخوان إلي جماهير الشعب وقادته المطالبين بالديمقراطية في 1954؟
وقد حفظت لنا المذكرات السياسية رواية مهمة لأحد زملاء عبد الناصر في تنظيم الإخوان الضباط أو تنظيم الضباط الأحرار، وهو حسين حمودة ، الذي يروي في وسط مذكراته كيف قطع جمال عبد الناصر العلاقة بالإخوان المسلمين من وجهة نظره هو المتأثرة بما عرفه في نطاقه الضيق ، ومن اللافت للنظر أن شهادته التي هي شهادة واحد من بين المقربين من الجانبين (أي عبدالناصر والإخوان) تتناقض مع بعض الروايات التي تذهب إلي أن هذه العلاقة ظلت قائمة وفاعلة حتي مطلع الثورة في 23 يوليو 1952 ، ولكن حسين حمودة ينبئنا عن أن هذه الصلة بين الجانبين قد فترت منذ مرحلة سابقة وبالتحديد عقب حرب 1948 ، وهو يروي هذا المعني الدقيق بثقة ووضوح فيقول :
“… وبقيام حرب فلسطين سنة 1948 توقف نشاط التنظيم السري للضباط ، واستشهد عدد منهم في الحرب. وظل كاتب هذه السطور (أي حسين حمودة) في فلسطين بعد وقف القتال حتي نقل مدرساً بالكلية الحربية في 19 نوفمبر 1950. وقد فاتحني جمال عبد الناصر في أوائل عام 1950 في إعادة تكوين التنظيم السري للضباط وذكر لي أنه سيتكون من عناصر النظيم السري السابق للإخوان المسلمين في القوات المسلحة ومن عناصر أخري من الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا، وسيحاول أن يضم عناصر أخري من غير المتدينين بشرط أن تتوفر في الضابط صفة الشجاعة وكتمان السر” .
” وقال لي جمال عبد الناصر: إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان المسلمين بالتنظيم السري لضباط الجيش الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943 ، وإنه يري لدواعي الأمن قطع الصلة بعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني لشباب الإخوان ، وبخاصة بعد الحديث الذي دار بين جمال عبد الناصر وإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء بشأن قيام عبد الناصر وبعض رفاقه من الضباط بتدريب شباب الإخوان المسلمين علي استعمال الأسلحة قبل حرب فلسطين” .
” وقال : إن تسرب هذه الأنباء للحكومة ربما كان بسبب تعرض بعض شباب الإخوان المسلمين المعتقلين في عهد إبراهيم عبد الهادي للتعذيب في السجون بواسطة رجال البوليس السياسي” .
” فوافقته علي عدم الاتصال بعبد الرحمن السندي ضمانا لأمن تنظيم الضباط” .
وهكذا نفهم من هذه الرواية أن انفصال عبد الناصر عن الإخوان كان قد بدأ عقب حرب 1948، ولهذه الرواية اللاحقة التي لم تنشر إلا بعد وفاة عبد الناصر بسنوات طويلة، أهمية خاصة ، فقد كان حسين حمودة واحداً من السبعة المؤسسين الأوائل لتنظيم الضباط الإخوان ، كما أن الرواية تبدو منطقية ، وقد كان لهذا الانفصال ما يبرره حسب روايته.. بل إن حسين حمودة يعترف بأنه هو نفسه وافق عبدالناصر علي السياسة التي رأي أن يتبعها.
ونفهم من هذا ـ إذا جاز لنا ـ أن عبد الناصر ظل علي الولاء لحسن البنا حتي استشهد الأخير، وأنه لم يبدأ محاولته الانفصالية عن الإخوان ، إلا بعد وفاة حسن البنا، وإن كانت العلاقة بين الطرفين قد فترت في فترة سابقة بسبب وقوع حرب فلسطين نفسها، وما واكب هذا من ضغوط حكومات السعديين علي الإخوان وعلي التنظيمات السرية في الجيش في ذلك الوقت.
نٌشر بتاريخ : 2012/11/6