لعل أصعب ما يواجه السياسي هو أن يجد نفسه باحثا عن التوافق مع شركاء لا يريدون التوافق،ثم إذا هو يكرر مرة واثنتين وثلاثا أنه حريص علي التوافق،ويصبح هذا الإعلان عن الحرص علي التوافق بمثابة نقطة مقتل للسياسي،أو علي أقل تقدير نقطة إحراج متكرر له،ومع الزمن يصبح الفشل في إرضاء الأطراف الأخري بمثابة سيف قاتل لكل محاولات الإنصاف أو الإنجاز.
ومن الطريف ان وصف التوافق استفز المصريين في الشهور الماضية في مناسبات عديدة ليس هذا المقال مجالا لتعدادها.. لكن الطريف ان التوافق الذي كان مكروها من البعض عاد ليكون مطلوبا من البعض نفسه!!
ونعود لنكرر حقيقة ان الفشل في إرضاء الأطراف الأخري قد يصبح فيتصور البعض بمثابة سيف قاتل لكل محاولات الإنصاف أو الإنجاز. وربما كان السؤال المنطقي الآن : هل وصل الرئيس المصري المنتخب إلي هذا الوضع الآن؟ الإجابة أنه لم يصل ، لكنه ربما يصل إلي هذا الوضع في ظل هذا الذي نسمعه من أعضاء الجمعية التأسيسية الدستورية من الأطراف المختلفة ، فلا السلفيون راضون ، ولا الليبراليون راضون ،ركما أن رجال القضاء لا يرحبون برغبات هيئة قضايا الدولة إلي حد أنهم يهددون ، ورجال هيئة قضايا الدولة يحتجون علي موقف رجال القضاء ، وربما ينشأ موقف مماثل لهيئة الرقابة الإدارية ، وللنيابة الإدارية ، وللجهاز المركزي للمحاسبات.. وهكذا.
والشاهد أن مصر الآن تمر بفترة من التعبير عن الرغبة في إنهاء الجمود الذي فرضته قيادات شبيهة بالرئيس بريجنيف ،ملك عصر الركود السياسي ورمزه علي مدي التاريخ،أو شبيهة بالرئيس تيتو،الذي ضم التنافر بحزام واحد قوي،ومع أن جوهر الحياة السياسية في مصر لا يعاني مشكلات عرقية أو إقليمية من قبيل المشكلات التي قام عليها وبها الاتحادان السوفيتي واليوغسلافي ، فإن أداء النخبة المصرية يتحدث عن نفسه بطريقة تفوق حديث وتصرفات النخب السوفيتية واليوغسلافية فيما بعد انتهاء الحرب الباردة.
وريما يجعلنا هذا نعود إلي التأمل فيما يراه بسطاء المصريين الذين يرون صحة مقولة أن العلم نور،لكنهم يضيفون إلي هذا حقيقة أخري،وهي أن نصف العلم يمثل عذابا لصاحبه،وعذابا لأهله ومجتمعه،وهم يعبرون (أي المصريون البسطاء) عن هذا المعني بقولهم البسيط والمعبر بإعجاز: »إن فلانا قرأ كلمتين فأتعبنا بهم« وأتعب بهم نفسه ، وهذا في الواقع صحيح دون أن يكون هذا تعاليا علي أنصاف المتعلمين ، وأنصاف المعلمين ، وأنصاف المثقفين ، وأنصاف المفكرين ، وأنصاف الخبراء ، وكل أولئك الذين يقرأون النصوص علي طريقة ” لا تقربوا الصلاة ” ، وعلي طريقة ” ويل للمصلين ” ، وقديما قال أحد العلماء: إن الله جل جلاله قصد من مثل هذه الآيات دروسا بليغة لا تبلي علي مدي الزمان، وهي دروس للعامة جوهرها ألا يثقوا أبدا في المتعالمين، ويبدو أنه علي صواب.
ربما كان الامر في حاجة إلى قصة من حياتي الطويلة تكشف او تصور حقيقة المقصود بالتوافق..وهو موضوع مقالنا القادم باذن الله .
تاريخ النشر : 2013