كان الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ الأزهر واحداً من اثنين أعطيا هذا المنصب مكانته الرفيعة في عصر الليبرالية. أما الثاني فهو سلفه (وخلفه أيضا ) الشيخ محمد مصطفى المراغي .
ولعل أهم الأحداث التي أثرت في تكوين الشيخ الظواهري وشخصيته كان هو نجاحه في امتحان العالِمية أمام اللجنة التي ترأسها الشيخ محمد عبده ، وقد كان الظواهري سعيدًا بأن يكرر رواية قصة هذا الامتحان ، مشيراً إلي أن الصدفة هي التي جعلت الأستاذ الإمام يرأس امتحان العالمية ، نظرًا لمرض الشيخ سليم البشري .
ويجيد الشيخ الظواهري تصوير لحظات الامتحان بعين كانت منتبهة إلي ما قد يظهر من امتعاض الشيخ محمد عبده ، أو تحيزه ضده ، وكانت منتبهة أيضاً إلي رد فعله هو تجاه ما أحسه من هذا الجو . ونحن نرى في تصوير الظواهري لامتحانه في العالمية قطعة بيانية تحفل بالتصوير النفسي الدقيق . ولنقرأ القصة على نحو ما صورناها في كتابنا عن الشيخ الظواهري والاصلاح الازهري :
” كان المعروف إلي ما قبل الامتحان بيومين ، أن رئيس لجنة الامتحان التي سأجلس أمامها هو الأستاذ الجليل الشيخ سليم البشري ، إلا أنه قد تقرر فجأة أن يكون الرئيس هو الأستاذ الجليل الشيخ محمد عبده ، لأن الشيخ سليم البشري قد مرض ، فكان ذلك التغيير سببًا في ازدياد الاعتقاد عند الناس بأنني لا بد سأرسب في الامتحان ، لأن الشيخ محمد عبده كان لا يخفي امتعاضه من والدي بسبب اتصاله بالأولياء وكثرة زيارته لقبورهم ” .
“… وفعلا ظهر من الشيخ محمد عبده شيء من آثار هذا النفور في لجنة الامتحان كما تنبأ الناس.. فإني لم أكد أجلس إلي اللجنة وأهم بتقبيل يده كما يفعل الطلاب الممتحنون عادة ، حتي أعرض الشيخ بعض الشيء عن إعطاء يده بجملتها لي أقبلها ، فقد جذبها سريعًا ، واكتفي مني بلمس أصابعه فقط ، ثم قال: ” لقد سماك أبوك بالأحمدي نسبة إلي أحمد البدوي الولي بطنطا ، فلنر الآن ماذا سيكون من شأن هذا الولي معك!! ” .
” كان لهذه العبارة ، مصحوبة بخطف يده أثناء محاولتي تقبيلها ، أثر سيئ في نفسي ، فانقبض صدري واسودت الدنيا في عيني ، ولما طلب مني أن أبتدئ تأخرت عن الكلام برهة من فرط تأثري ، ولكني ما لبثت أن استجمعت شجاعتي وتملكني شيء كثير من الجلد ، ثم أخذت أتكلم في الموضوع الذي طلب مني الكلام فيه فأحسست في داخليتي أني أحسن الكلام ، وعندئذ انطلقت أتحدث بالطريقة التي رسمتها لنفسي من قبل ، وهي الطريقة المغايرة لما اعتاد الطلاب والعلماء الأزهريون أن يعالجوا بها المسائل ، فقد كنت أقفز توّا إلي جوهر العلم الذي أنا بصدده وأقرره بعبارة مختصرة ، لكنها جامعة وبعيدة عن التأويلات والتشويشات التي اعتاد عليها الطلاب ، وهذه هي الطريقة التي رسمتها لنفسي طوال مدة دراستي ” .
” … والحق أنني أثناء الامتحان أعجبت بنفسي (وأنا) أقرر تلك المسائل الشائكة بهذا الأسلوب الجديد الصافي الذي ابتكرته،إذ أني ظننت أني جعلت البحث به سائغًا مرسلاً ، بل إني أيقنت في نفسي أن الشيخ محمد عبده لابد قد سر به أيضًا ، وأنه لابد سيشعرني بذلك تشجيعًا لي ” .
… ونستكمل القصة في المقال القادم ان شاء الله
نٌشر بتاريخ : 2/11/2012