تميز أغلب علماء الأزهر الكبار بصفات خلقية رفيعة أضافت إلى ما تميزوا به من العلم الغزير والوطنية الصادقة .
وقد عٌرف معظم هؤلاء بالانحياز للحق والتعبير عنه في قوة وشجاعة وتحمل مسئوليات الرأي الصادق ، فضلاً عن الزهد في الدنيا ، والبعد عن زخارفها ، والعمل لأجل الآخرة والتقرب إلي الله بصالح العمل ، كما تميز أداؤهم بالإخلاص للدين ، والتفاني في خدمة العقيدة ، والنصح للوطن وأولياء الأمور. ولاشك أن في حياتهم كثيرا من الضياء الذي ينبغي لنا أن نستهديه فيما نقدم عليه من أداء لدورنا في هذه الحياة . كما أن في فكرهم أمثلة حية وقدرات رائعة علي التوفيق بين القيم العليا ومتطلبات الحياة الدنيا بكل ما فيها من ابتلاءات وشرور.
ويكفي أن نذكر أن كثيرين منهم إن لم يكن أغلبهم قد تركوا المناصب احتجاجا علي ما رأوه لا يتفق مع عقيدتهم ، بل إن ثلاثة ممن تولوا منصب شيخ الأزهر تركوا المنصب مرة بعد أخري ولم يتركوه مرة واحدة .
فالشيخ محمد العباسي المهدي (المولود 1827) بدأ مفتيا، ثم جمع الإفتاء إلي مشيخة الأزهر (1870) ، ثم ترك المنصب عند قيام الثورة العرابية (1882) ، ثم عاد إليه بعد نهايتها وبقي فيه حتي1887، ثم ترك المشيخة غير آسف ، وبقي مفتياً حتي توفي في 1898.
أما الشيخ حسونة النواوي (المولود 1840) فقد عين (1896) شيخاً للجامع الأزهر، ثم أٌضيفت إليه وظيفة المفتي بعد عامين ، إلي أن استقال من المنصبين بشموخ وكبرياء في 1899،ثم عٌين مرة أخري شيخا للجامع الأزهر (1909)، واستقال أيضا بشموخ وكبرياء في السنة التي عين فيها، وقدر له أن يعيش بعد ذلك مرفوع الرأس حتي1924.
أما الشيخ عبد المجيد سليم (المولود 1882) فقد عين مفتيا في 1929 ، وظل في هذا المنصب حتي استقال في عام 1945 احتجاجا علي ما رآه خطأ ، ثم اختير شيخا للجامع الأزهر، واستقال احتجاجا قائلا قولته المشهورة: ” إسراف هنا.. وتقتير هناك” ، ثم أعيد اختياره شيخا للجامع الأزهر (1952) ، لكنه استقال أيضا بشموخ وكبرياء ، وبقي رمزا للكبرياء بعد هذه الاستقالات الثلاث المتتالية حتي وفاته في1954 .
وبالإضافة إلى هؤلاء الذين استقالوا من المشيخة ثم عادوا إلى المشيخة واستقالوا منها ، فإن شيخا الأزهر محمد الخضر حسين ومحمد الفحام قد استقالا غير آسفين على المنصب .
أما الشيخ محمود شلتوت وعبد الحليم محمود فيمكن القول بأنهما لم يكفا عن الاستقالة حتى أدركهما الموت .
أما الشيخ حسن مأمون (المولود 1894) فقد عٌين مفتياً (1955) ، ثم اختير شيخا للجامع الأزهر (1964) ، واستقال من المشيخة (1969) أيضا في شموخ وكبرياء ، وعاش حتى 1973 .
والحق أن حياة علماء الازهر حافلة بكثير من الدروس والعبر والقدوة الحسنة التي ترضي الضمير الحي ، وتبعث فيه أملاً في الحق والخير والجمال.
نٌشر بتاريخ : 2012/10/16