تتمثل في الفريق سعد الشاذلي صورة الشخص اللامع الذي تختلف بشأنه الآراء والأحكام، حتي إنه لا يمكن الوصول إلي حكم قاطع في أية جزئية من الجزئيات التي يتناولها التاريخ في حكمه علي شخصية كبيرة وممتدة التأثير من طراز هذا القائد البارز.
ومن حسن الحظ أن مذكرات الفريق سعد الشاذلي تصور شخصيته علي صورة من أفضل الصور التي يمكن للمذكرات أن تصور بها شخصية صاحبها، ولا يقف هذا عند ما في المذكرات نفسها من نصوص وإيحاءات ، ولكنه يتعدي ذلك إلي التوقيت الذي صدرت فيه المذكرات وإلي تبكير صاحبها بنشرها، ثم إلي أنها نشرت خارج مصر بينما مؤلفها في المنفى الاختياري الذي اتخذه لنفسه بعدما أن كان ملء السمع والبصر، ورغم أنه كان في وسعه أن يظل ملء السمع والبصر إلى يومنا هذا، ولكنه آثر لنفسه طريقاً آخر غير الطريق الذي كان منفتحا أمامه.
وهكذا فإنه في خلال ما لا يزيد علي سبع سنوات (١٩٧٣-١٩٨٠) اجتاز الشاذلي فيما بينه وبين نفسه خطوات واسعة جدا في طريق التعبير عن الذات والبحث لها عن مكانة متميزة ومتوافقة مع تطلعات صاحبها حتي لو كانت هذه التطلعات علي نحو ما حدث بالفعل مستحيلة التحقيق.
يروي سعد الشاذلي بنفسه في هذه المذكرات كيف أتيح له أن ينال منصب رئيس الأركان مرة واحدة متخطيا بهذا كثيرين جدا أقدم منه في المؤسسة العسكرية المصرية التي تمضي ترقياتها تبعا لمبدأ الأقدمية.
فقد أتيح لسعد الشاذلي أن يحضر اجتماعاً عقده وزير الحربية الفريق فوزي بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة قبيل ما سمي بحركة التصحيح في مايو عام ١٩٧١، وقد كان الاجتماع مخصصا لاستطلاع رأي القادة العسكريين في موضع الخلاف القائم في الكواليس حينذاك بين السادات ومناوئيه ، وكان هو موضوع قيام اتحاد الجمهوريات العربية .
ومن العجيب أن القدر هيأ الفرصة لسعد الشاذلي كي يحضر هذا الاجتماع كممثل لمنطقة البحر الأحمر العسكرية ، ولا عجب في أن يحدث هذا، فقد كان مناخ أساليب التمثيل الإقليمية في مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي هو الأسلوب المسيطر علي كل ديناميات العمل السياسي والتنفيذي وكان هذا بالتالي يفرض هذا النوع من التمثيل الإقليمي أو القطاعي بقوة ، حتي أن القائد العام ووزير الحربية الفريق أول محمد فوزي نظم حضور مثل هذا الاجتماع لا بعقلية العسكرية المحترفة ولكن بعقلية التنظيم السياسي الشمولي مع احترامنا أيضاً لهذه العقلية .
هكذا حضر الشاذلي الاجتماع بترتيب القدر علي الرغم من أنه ليس عضواً في المجلس الأعلي للقوات المسلحة كما يذكر هو، ثم هكذا كان الوحيد بين الحاضرين الذي أيد مشروع الاتحاد ، أي أنه أيد الرئيس السادات الغائب عن الاجتماع ، علي حين أن كل الحاضرين ـ واحداً واحداً، وواحداً بعد واحد ـ عارضوا الفكرة وأيدوا الفريق أول فوزي .
وسرعان ما وقعت أحداث حركة التصحيح ، وسرعان ما أصبح الفريق أول محمد فوزي نفسه في المعتقل ، واختير رئيس الأركان الفريق محمد أحمد صادق ليكون وزيرا للحربية ، وكان هذا طبيعياً جداً ، ولكن القدر أضاف المفاجأة الثالثة في صالح اللواء سعد الشاذلي الذي عين رئيسا للأركان على غير انتظار.. ويذهب الفريق أول فوزي في مذكراته وهو يصور قرار تعيين الشاذلي إلي أن يذكر أن السادات عين اللواء سعدالشاذلي دون أن يذكر اسمه علي وجه التحديد لحظة التعيين مكتفيا بصفته من حيث النسب ، وهي أنه عديل كبير الياوران الفريق سعد الدين متولي !!
وليس من شك في أن هذا ظلم للشاذلي وهو العسكري الكفء الذي لا خلاف على نشاطه وحماسه .
نٌشر بتاريخ : 2012/10/5