الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات ماقبل الجزيرة / الأهرام / الشيخ محمد خاطر.. فقيه القرن العشرين

الشيخ محمد خاطر.. فقيه القرن العشرين

 

 

تاريخ النشر : 2004/2/10

كان الشيخ محمد خاطر واحدا من فقهاء الشريعة المعدودين في جيله‏,‏ وقد مارس العمل الفقهي علي جميع مستوياته سواء في منصب الافتاء وفيما قبله وفيما بعده وقد برزت مواهبه وقدراته منذ كان طالبا في الأزهر وتخرج في كلية الشريعة متفوقا علي جميع أقرانه‏,‏ وعمل في القضاء الشرعي‏,‏ وأثبت ذاته وكفاءته‏.

‏استطاع أن ينافس رجال القضاء المدني في عملهم وأن يثبت تفوقه وأن يحصل علي ترقيات متوالية أهلته وهو القاضي الشرعي أن يصبح مستشارا في محكمة النقض قبل أن يتولي منصب الإفتاء‏,‏ بل إن محمد خاطر كان مبرزا في البحوث القضائية والتشريعية‏,‏ وقد وجد في نفسه الكفاءة لأن يشارك في بحوث ومؤتمرات الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع‏,‏ وأن ينشر بحوثه في مجلتها العريقة مصر المعاصرة‏.‏

رزق الشيخ خاطر بسطة في الجسم وفي العلم وفي العمر أيضا‏,‏ بل في الذرية التي أنعم الله بها عليه‏..‏ وفي الرزق كذلك‏,‏ وكان رحمه الله ذاكرا لكل هذه النعم شاكرا ربه عليها كلها‏,‏ وقد كان أداؤه السياسي والقضائي والتنفيذي والديني علي مستوي ما أنعم الله به عليه‏,‏ كان شديدا في الحق‏,‏ صريحا في قوله‏,‏ مترفعا عن الدنايا‏,‏ بعيدا عن الدنيا كلما اقتربت منه‏,‏ كان طموحا إلي ما ينبغي له أن يطمح إليه‏,‏ ومتعففا في الوقت نفسه عما لا ينبغي له أن يرضي به‏.‏

تولي الإفتاء في السبعينيات‏(70‏ ـ‏1978),‏ فتميز أداؤه بالفهم وبالحرص علي مكانة علماء الدين‏,‏ وقد خلف في منصبه مجموعة من المفتين الذين عانوا من سلطة الدولة وسلطانها ونفوذها‏,‏ لكنه حين تولي الإفتاء رزق في الوقت نفسه المناخ الذي كان حريصا علي الإعلاء من قيمة المؤسسات‏,‏ وهكذا قدر له أن يعيد إلي المنصب في شخصه قوة كان المنصب قد افتقدها منذ عهد الشيخ عبدالمجيد سليم المفتي الأشهر‏,‏ ومع أن محمد خاطر لم يكن بحكم ظروف عصره قادرا علي أن يسمع صوته علي نحو ما فعل الشيخ عبدالمجيد سليم‏,‏ إلا أنه وظف المواقف السلبية توظيفا ذكيا كان كفيلا بأن يحسم المعارك في صفه وفي صف رؤيته الإسلامية المستنيرة الأفق والقادرة علي الحفاظ للمجتمع الإسلامي علي توجهه نحو المثل العليا والترابط الاجتماعي‏.‏ وقد كانت النتيجة الطبيعية لممارساته وأدائه المتميز أن عاد إلي منصب الإفتاء رونقه ومكانته ومهابته‏.‏

عاصر الشيخ محمد خاطر وهو في منصب الإفتاء الطفرة الاقتصادية التي أصابتها البلدان العربية والإسلامية‏,‏ وكان بحكم فهمه الفقهي مدركا لدور المال في التنمية الاجتماعية قبل الاقتصادية‏,‏ كما كان مدركا للدور الذي يتطلب نشأة مؤسسات اقتصادية جديدة‏,‏ بل نشأة فقه جديد يتعامل مع أسواق النقد ومع التجارة العالمية بأسلوب يستمد مقوماته من شريعة الإسلام وتراثه الفقهي العميق في المشاركة والمزارعة وما إليها من الصور الفقهية التي تحكم آليات الموازنة والتعاون بين أهم موردين من موارد التنمية وهما الأيدي العاملة ذات الكفاءة والمال القادر علي التمويل‏..‏ وقد وجد الشيخ خاطر أن من واجبه الشرعي أن يتصدي بالبحث والدرس للصيغ الاقتصادية التي استحدثها الغرب ليهذب من سطوة المال بما شرعه الإسلام وتوصل إليه فقهاء المسلمين علي مدي العصور المتتالية‏,‏ وهكذا توصل الشيخ محمد خاطر إلي إرساء مفهوم الرقابة الشرعية في البنوك‏,‏ وإلي توليد فكرة المعاملات الإسلامية وهي فكرة تفوق في ذكائها كل محاولات التشكيك أو التلفيق‏..‏ أضافت إلي الفقه الإسلامي بابا في فقه المعاملات يكفل للإسلام ما يستحقه من مكانة في النظريات الاقتصادية العالمية‏,‏ ويحقق له ما يتطلبه من مرونة وقدرة علي توجيه التنمية من أجل مصلحة الشعوب الإسلامية‏.‏

وخلاصة القول فيه أنه كان عالما عاملا ذكيا رضيا أبيا وفيا‏,‏ جمع الذكاء الخارق إلي الذاكرة الفولاذية وحسن المعشر إلي سمو الالتزام‏.‏
رحمه الله رحمة واسعة وعوضنا عنه خيرا‏.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com