سر القلب

 

 

قد لا يتصور القراء أن القلب كله يكاد يكون عضلة واحدة فقط تنقبض كلها إذا انقبض جزء واحد منها،وتنبسط كلها إذا انبسط أي جزء منها.

وبعبارة أخرى فإن خلايا القلب كلها تعمل مجتمعة وكأنها خلية واحدة…ولهذا السبب فإن القلب يخفق دائما وبانتظام شديد طوال حياة الإنسان…ولو أن القلب كان في حركته يسلك مسلك الجماعات البشرية التي لا تنتظمها خاصية القلب ولا تتمتع بالسر الذي يتمتع به القلب،ما كان في وسعه أن يؤدي هذه الوظيفة المعجزة التي يؤديها لصاحبه الإنسان،ولجسم الإنسان ،ولا أعتقد أنه في وسع البشرية أن تصل إلى آلة توازي القلب في قوته…ويكفي أن نتصور الإنجاز المادي الذي يحققه القلب أو هذه العضلة الصغيرة في ساعة واحدة فقط من ساعات اليوم.

إن مقدار ما يبذله القلب من طاقة على مدى ساعة واحدة يكفي لرفع طن ونصف الطن إلى مسافة 30 سم فوق سطح الأرض،وهو ما يوازي وزن سيارة صغيرة مثلا …ومن نعم الله سبحانه وتعالى أن القلب لا يكف عن العمل أبدا ،إلا بموت صاحبه…وهكذا يمكن لنا أن ندرك بحسابات بسيطة جدا مدى الجهد التراكمي الذي يبذله القلب طيلة حياة الإنسان،ولو أن إنسانا عاش سبعين عاما فإن قلبه يكون قد ضخ على مدى هذه السنوات 193 مليون لتر من الدم على الأقل…فهل عرفت البشرية حتى اليوم مثل هذا النوع من المضخات الآلية التي تعمل ستين ثانية في الدقيقة،وستين دقيقة في الساعة،و24 ساعة في اليوم،وسبعة أيام في الأسبوع على مدى كل سنوات العمر؟؟؟

إن القلب يضخ حوالي 4,7 لتر من الدم في كل دقيقة،وبالتالي فهو يضخ 7600 لتر من الدم كل يوم…وهكذا …ومع هذا فإن هذه العضلة الجبارة تحتل مساحة صغيرة جدا من الفراغ أو من الجسم البشري،وقد توصل العلماء إلى أن قلب كل شخص يعادل نفس حجم قبضة يده،وهكذا فإنه يمكن لنا أن نتصور على سبيل التقريب حجم قلب الطفل،وحجم قلب الفتى،وحجم قلب الشاب والكهل…أما وزن القلب فإنه يكون في حدود 20 غراما في الطفل الرضيع،ويزداد القلب في الوزن حتى يصل إلى 250- 300 غرام في البالغين.

لا بد لنا أن نتأمل بشيء من الصبر طبيعة هذه العضلة الجبارة…ولكي نفهم سرها فسوف نذكر للقارئ،أن أساتذة علم وظائف الأعضاء تمكنوا من تقسيم عضلات الجسم البشري إلى نوعين من العضلات ،فضلا عن عضلة القلب…وهكذا فإن عضلة القلب تعد نوعا متميزا عن نوعين آخرين من العضلات يمثلان كل عضلات الجسم…ومن أسرار القدرة الإلهية أن عضلة القلب تنفرد بالجمع بين صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني…لا بد إذن أن نفهم الآن بعض خصائص كل من النوعين قبل أن نذكر خصائص عضلة القلب.

فأما النوع الأول من العضلات وهي العضلات الهيكلية فنحن نعرفها تماما في ذراعنا أو أرجلنا…وهي عضلات ذات ألياف طويلة وشرائح داكنة اللون ،وأخرى فاتحة اللون وتتراص هذه الشرائح بالتبادل،ويسمى هذا بالتخطيط،بل تسمى العضلات نفسها مخططة أو هيكلية،ونحن نستطيع أن نتحكم في العضلة الهيكلية،فنحن الذين نمشي بأرجلنا ونأكل بأيدينا،نحركها حينما نريد وكما نريد.

أما النوع الآخر من العضلات فيسمى بالعضلات الملساء ، كتلك التي تكون الجدار الداخلي للمعدة والأمعاء ومعظم الأعضاء الداخلية للجسم… وهذه العضلات خالية من التخطيط ،وتعمل بحركة تلقائية،ولا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيها،فالإنسان لا يستطيع أبدا أن يوقف معدته أو الأمعاء الدقيقة أو الغليظة عن العمل،حتى لو كان في بعض الأحيان يحس بالعمل الذي تؤديه مثل هذه الأعضاء، إنما تعمل هي بطريقة لا إرادية.

هذان النوعان المتميزان من عضلات الجسم…أما عضلة القلب فإنها تجمع بين صفات هاتين النوعين دون أن تأخذ بكل خصائصهما…وهكذا فإن عضلات القلب لها تخطيط مثلها مثل العضلات الهيكلية،لكنها تنقبض وتتمدد بحركة تلقائية كالعضلات الملساء،لكنها بالإضافة إلى هاتين الخاصيتين تتمتع بها لا يتمتع به أية عضلة أخرى،وهو سر القلب الذي ذكرناه،ولا بأس من أن نعيد التذكيرية،وهو أن خلايا عضلات القلب تعمل مجتمعة وكأنها خلية واحدة لا نشاز ولا استثناء،ولا تراخ،ولا تمايز،ولا تفاوت، ولا تعارض، ولا تناقض،ولا استباق أو استبطاء .

فهل يمكن لنا إذا أردنا إنجازا أن نقتدي بالقلب ؟؟؟ لا أظن !!

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com