على عادة المجتمع الثقافي المصري في تعويض بعض الجحود ببعض الإنصاف جاء فوز الدكتور عبده الراجحي بجائزة الدولة التقديرية في الأدب بعد أن أصر مجلس جامعة الإسكندرية الموقر على ترشيحه طيلة السنوات الماضية.
ولئن فاتني رثاء ذلك العالم بسبب مرضي فهاهو الشرف يتاح لي كي أتحدث عما عرفته فيه.
عرفت في الدكتور عبده الراجحي العالم الجليل الذي امتد بعلمه إلى آفاق متعددة غناها بدرسه وبحثه،وأضاف إليها من آرائه الأصلية ونظراته الثاقبة ،وعرفت فيه العناية بما يبحث فيه،وعشق ما يضيف إليه،وعرفت فيه حبه للتجديد في غير تعسف،وللفهم في غير تزيد.
كانت أحكامه دقيقة وصائبة ومستوعبة درس الحياة المعجمية في الحضارات الأنجلوسكسونية دراسة باحث متأمل حفي باكتناه دور الحضارة،وفهم دور المؤسسة وعيوب الإنسانية ومزاياها أيضا،وإدراك حقيقة الموارد البشرية وإمكاناتها المحدودة التي تستحيل لا نهائية إذا ما نظمها المنهج والتخطيط.
كان الدكتور عبد الراجحي يحب أن يكون واحدا من جماعة مع أنه كان شيخ طريقة تميزت بالأمانة والإخلاص والدأب والتفاني في المحبوب،وكان يحب أن يكون صاحب رأي قابل للأخذ والرد،مع أن آرائه كانت تعلو على الرد،وإن عانت من الأخذ الذي تعاني منه آراء كل عالم لا يرى آراءه حكرا عليه مادام يعرف أن جموع الباحثين يعرفون بصمته ويدركونها مهما أخفاها الناقلين من المستلذين بصمته،كان نقاشه جادا ،وكان يلتفت إلى مايفوت الآخرين،لكنه لم يكن يزعم لنفسه أسبقية،ولا أولوية،ولا المعية،ولا أريحية،مع أنه كان المثل الحي المعبر عن هذا كله.
كان الدكتور عبده الراجحي وطنيا من طراز فريد…أعطى وطنه دراسات مبكرة عن الصهيونية ،ولا يزال كتابه عن الشخصية الإسرائيلية مصدر إلهام وتوجيه،وأتيح له أن ينشر هذه الآراء قبل أن يصبح الموضوع ميدانا لإبراز القدرات ،بل وقبل أن يصبح ميدانا للتكسب والتربح وبناء الأمجاد الوطنية والمعرفية،ولا نقلل من جهد الذين بذلوا جهدهم في هذا المجال من أساتذة اللغات ،لكن عبده الراجحي كان في الحقيقة يتفوق على أبرز اثنين منهم بريادته المبكرة وفهمه الإنساني العميق للدوافع والغايات بعيدا عن التنظير المتعمد والتحبير المتوسع.
عاش الدكتور عبده الراجحي حياته يظل بعلمه أبنائه في مصر وفي غير مصر،وكان من أبرز أعمدة جامعة بيروت العربية ،وأتاح وجوده المتصل فيها لمناهج اللغة العربية أن تنافس من حيث الجودة والمصداقية في وسط منافسة شرسة،ومع انتشار الحديث عن اضمحلال التأثير المصري في اللغة العربية والتكوين الجامعي،كان عبده الراجحي يضاعف من هذا التأثير في بيروت والشام جميعا،وكان وجوده الدائب في قلب التعليم الجامعي العربي إشعاعا مصريا حفظ لمصر مكانتها في الدراسات العربية،والدرس اللغوي المستنير.
كان الدكتور عبده الراجحي محبا لتلاميذه،عاملا على تشجيعهم حتى وهم في أرفع المناصب،لكنه لم يكن يبخل بعلم ولا عون على ذي حاجة،،ولا على ذي نفوذ،وكان يتجشم السفر إلى الصعيد ليدعم أبنائه هناك بشخصه وعلمه وفضله،وقد كان من حسن حظي أن شرفت برفقته في ندوة سنوية لكلية دار العلوم في المنيا.
كان الدكتور عبده الراجحي يحظى بالإجماع على فضله وعلمه وحبه،لا أجد وصفا يصف خسارتنا فيه غير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله لا يأخذ العلم ينتزعه انتزاعا، لكنه يأخذه بقبض العلماء » .
ولد الدكتور عبده الراجحي في أكتوبر سنة 1937 في الكفر الجديد محافظة الدقهلية.
وحصل على درجة ليسانس الآداب قسم اللغة العربية،جامعة الإسكندرية بتقدير ” ممتاز ” مع مرتبة الشرف سنة 1959، وعين معيدا بقسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية 1961،وحصل على ماجستير في العلوم اللغوية في يونيو 1963، وعين مدرسا للعلوم اللغوية في 1967،واستكمل تكوينه العلمي في خارج مصر،وقضى في بريطانيا وألمانيا بعض الوقت،ورقي أستاذا مساعدا في 1972،ثم أستاذا في 1977 وهو في الأربعين.
وقد عمل الدكتور عبده الراجحي رئيسا لقسم اللغة العربية،ووكيلا لكلية الآداب للدراسات العليا والبحوث بكلية الآداب بالإسكندرية وعميدا لكلية الآداب في جامعة بيروت العربية،كذلك عمل الدكتور عبده الراجحي رئيسا لقسم الصوتيات،ومديرا لمعهد الدراسات اللغوية والترجمة،ومديرا لمركز تعليم اللغة العربية للأجانب،ورئيسا لقسم تأهيل معلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،وأستاذا زائرا بمعظم الجامعات العربية،كما زار جامعات ماليزيا واليابان وموسكو وأوزبكستان وتتارستان.
وكان الدكتور عبده الراجحي على الدوام عضوا في اللجان الدائمة للترقية إلى وظائف الأساتذة بالجامعات المصرية،وعضوا بلجنة الأدب واللغة بالمجلس الأعلى للثقافة المصرية،وعضوا بلجنة تحقيق التراث بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية،وفاحصا للبحوث العلمية ولإنتاج أعضاء هيئة التدريس المتقدمين إلى الترقية بالجامعات العربية،وفاحصا خارجيا بجامعة مالايا الإسلامية العالمية بماليزيا.وقد عهد إليه أن يكون المسئول عن ضبط النص في مكنز السنة المشرفة.
وقد انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة في سنة 2003.
وهذه عناوين بعض أبحاث الدكتور عبده الراجحي اللغوية:
” منهج ابن جني في كتابه المحتسب – اللهجات العربية في القراءات القرآنية – دار المعارف مصر 1968 .
التطبيق النحوي – دار النهضة العربية – بيروت 1972.
التطبيق الصرفي – دار النهضة العربية – بيروت 1973.
فقه اللغة في الكتب العربية – دار النهضة العربية – بيروت 1974.
دروس في شروح الألفية – دار النهضة العربية – بيروت 1977.
دروس في المذاهب النحوية – دار النهضة العربية – بيروت 1978.
اللغة وعلوم المجتمع – دار النهضة العربية – بيروت 1978.
النحو العربي والدرس الحديث – دار النهضة العربية – بيروت 1979.
علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية 6 جامعة الإمام 1990.
ومن مقالات الدكتور عبده الراجحي المنشورة:
النحو العربي وأرسطو.
التراث العربي ومناهج علم اللغة.
مخطط أساسي للدراسات اللغوية بالجامعات .
علم الأسلوب.
تعليم اللغة العربية للأجانب وإسهامه في تطوير بحث الفصحى .
المواءمة.
النحو في تعليم العربية لغير الناطقين بها.
ومن مترجمات الدكتور عبده الراجحي :
هيراقليطس فيلسوف التغير.
المواءمة مجلة علم الفكر.
أسس تعليم اللغات وتعلمها.
شارك الدكتور عبده الراجحي في عدد كبير من المؤتمرات العلمية منها:
العلاقات البيزنطية الإسلامية – سالونيك – اليونان –أكتوبر 1979.
الألسنية – الرباط 1981.
مشكلات تعليم اللغة العربية في الجامعات العربية – الإسكندرية 1981.
تعليم اللغات بالكويت – مايو 1985.
تطوير اللغة العربية في ماليزيا – نوفمبر 1990.
عبد الله بن مسعود – دار الشعب بمضر 1970.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا