تاريخ النشر : 25 أكتوبر 2002
جريدة : الرأي للشعب
لم يحدث إجماع دولي على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية كما هو الحال الآن وذلك على الرغم من شارون وجهوده المستميتة ،وقد أصبح الحديث عن دولة فلسطينية مجالا لكثير من التكهنات والاجتهادات على الرغم من أن الفلسطينيين أنفسهم هم أقل الناس حديثا عن هذه الدولة.
ويبدو لي أن هذا في حد ذاته يمثل خطرا من نوع خاص على الفلسطينيين لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره،ومادام الفلسطينيون لا يشاركون في الحديث الدائر عن التصورات المبدئية لهذه الدولة فإن حكمهم عليها سيتراجع لمصلحة حكم الآخرين بمن فيهم الإسرائيليون والأمريكيون.
ولو كان الأمر بيدي لدعوت جميع الفصائل الفلسطينية إلى الجلوس مع بعضهم للتباحث في صياغة الدولة الجديدة لا في حدودها ولا في مساحتها فهذان بالذات أمران لن يكون للفلسطينيين وحدهم اليد الطولى في تحديده وإقراره،وإنما فيما عدا ذلك من أمور الدولة.
وظني أن العرب جميعا مطالبون بأن يقدموا للفلسطينيين خلاصة خبراتهم البيروقراطية والسياسية فيما يتعلق بالدولة حتى يمكن لمشروع الدولة الفلسطينية أن يكون إضافة إلى الكفاح الفلسطيني الطويل وليس خصما منه.
كأني أريد أن أقول إن بوسع الفلسطينيين مع قدر كبير من الاجتهاد والذكاء أن يجعلوا من مشروع الدولة الفلسطينية القادمة أحد الأسلحة التي يتوجون بها كفاحهم المشروع والممتد على مدى العقود الماضية.
من الجدير بالذكر أن عدم الانتباه إلى مثل هذه الحقيقة سوف يكون خطرا بل سيكون شرا على الفلسطينيين لأنه سيتيح لعدوهم أن يرسم في خصائص الدولة ما يكفل له تحقيق حلمه في اختزال كل نجاح فلسطيني وفي تحويله إلى مصدر للعكننة والتنغيص على الفلسطينيين أنفسهم.
لنفترض إذن أننا وصلنا إلى مرحلة إعلان الدولة الفلسطينية وأنها أعلنت وأعلنت عاصمتها،فإذا لم ننتبه منذ هذه اللحظة إلى ضرورة أن يكون هذا القانون قادرا على منح الجنسية الفلسطينية لكل من يحملونها الآن فإننا سنكون ما يمكن أن نسميه مؤامرة «التهجير الورقي» وستكون من نتائج هذا التهجير الورقي أن تفقد شرائح كثيرة من اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في المعسكرات والمخيمات حق انتمائهم لدولتهم التي جاهدوا من أجل وجودها طيلة العقود الماضية وسيكون « التهجير الورقي » بمثابة أكبر سلاح في يد العدو لإضاعة حقوق العودة على الفلسطينيين .
وليس يخفى علينا أن العدو المتربص قادر على أن يساوم في هذه الجزئية على مدى سنوات وسنوات،صحيح أن من حسن الحظ أن الفلسطينيين يحتفظون بكل الوثائق التي تكفل لهم الحصول على حقهم،ولكن من ذا الذي قال إن هذه الوثائق كفيلة وحدها بأن تتصدى لغطرسة وافتراء عدو فاجر لا يكف عن البغي والطغيان.
كذلك فإننا سرعان مانواجه بالسؤال عن مصير الفلسطينيين الذين اضطرتهم الظروف إلى أن يصبحوا من عرب 1948 وقد أصبحوا يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية ،بل إن إحدى طوائفهم تخدم في الجيش الإسرائيلي، وهنا لا بد أن يكون حظ العرب من الذكاء كافيا لأن يستبقوا لهؤلاء جنسيتهم الإسرائيلية التي يستحيل أن تسقط عنهم أصلهم الفلسطيني والعربي بل إن بقاءهم محتفظين بهذه الجنسية الإسرائيلية هو في رأيي أكبر مكسب يمكن تحقيقه من أجل استعادة الفلسطينيين للسيطرة على الأرض التي قامت عليها دولة إسرائيل بموجب قرارات ظالمة وتواطؤ قوى دولية.
وينطبق هذا أيضا على كل فلسطيني ينتمي للمملكة الأردنية الهاشمية فليس من المصلحة أن يتخلى هؤلاء عن أردنيتهم ولا عن حقوقهم المكتسبة على مدى العقود الماضية وإن ظلوا في نفس الوقت يعرفون ويدركون أن أصولهم فلسطينية،ويصبح وضع هؤلاء أشبه ما يكون بوضع السودانيين الذين تجنسوا بالجنسية المصرية أو الحضارمة الذين تجنسوا بالجنسية السعودية وهكذا….وليس هناك ما يمنع من أن يصبح هؤلاء وزراء ورؤساء ووزراء في الأردن على نحو ما حدث من قبل في ظل حكم الملك حسين،بل ليس هناك ما يمنع من أن تكون زوجة الملك الأردني الحالي فلسطينية وثانية زوجات الملك السابق فلسطينية وكل هذا يصب في مصلحة فلسطين وفي مصلحة الأردن وفي مصلحة الأمة العربية جمعاء.
ولنتذكر كثرة الساسة المصريين الذين تزوجوا من أجنبيات وكثرة الأمراء السعوديين الذين تزوجوا من عربيات ولنذكر أيضا الوضع الطبيعي الذي تحظى به أرملة غاندي الإيطالية في الهند.
إذن سيصبح هناك فلسطينيون لا يحملون إلا الجنسية الفلسطينية وسيصبح هناك شأن كل أصحاب الجنسيات في العالم كله من يحمل جنسيته غير الفلسطينية ولكنه يعتز بأصله الفلسطيني،ولكننا لا بد أن نفكر بصوت عال في الفلسطينيين الذين حملوا على مدى السنوات الخمسين الماضية جنسيات عربية أخرى،وظني أن على هؤلاء أن يسارعوا بالحصول على الجنسية الفلسطينية حتى لو اقتضاهم هذا أن يتنازلوا عن جنسياتهم الأخرى أو أن يجعلوها في المحل الثاني ،ذلك أن هؤلاء مهما كثر عددهم في أية دولة لا يمثلون ما يمثله الفلسطينيون في إسرائيل ذلك أن هؤلاء وأولئك مواطنون في دولتين مجاورتين لدولة فلسطين القادمة شأنهم كما ذكرنا كالسودانيين المتمصرين والحضارمة المتسعودين بل أن شأنهم شبيه بالإيطاليين أو الفرنسيين في سويسرا.
وعلى النقيض من هذا فإن بقاء جنسيات الأقليات المتناثرة من الفلسطينيين في الخليج أمر مختلف ذلك أنها تصب في النهاية في مصلحة الدعاوى الإسرائيلية الباطلة بإمكان استيعاب الفلسطينيين في البلاد العربية وهي الأباطيل التي لا بد من مواجهتها واستباقها بأقصى ما يمكن من فكر واع ومتحسب لكل الآراء القانونية والدولية ولكل تصرف إداري أو سياسي أو قانوني.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا