تاريخ النشر : 27 مارس 1996
جريدة : الأهالي
هذا عمل متفرد في مكتبتنا العربية في مطلع 1996 جمع فيه الناقد الكبير ” فاروق عبد القادر ” واحدا وسبعين مقالا من مقالاته الرصينة الممتازة التي كتبها بكل جوارحه وبكل الإخلاص للقيم الرفيعة وللغة العربية وللأدب وللفن الحقيقي وللنقد العادل المترفع عن المجاملات.
كان في وسع ” فاروق عبد القادر “ أن يوزع هذا الكتاب على مجموعة كتب بدلا من أن يجعل هذه الكتب فصولا،ولكنه ناقد مخلص لوظيفته إلى أبعد حدود الإخلاص التي نعرفها والتي لا نعرفها في التسعينيات،وفي الحقيقة أنني قرأت كثيرا من هذه الفصول حين نشرها في الصحافة من قبل،ولكني أعدت قراءة كثير منها وهي منشورة في كتاب،وأعترف أنني وجدت الناقد الذي يكتب المادة القابلة للذيوع و للخلود في نفس الوقت،وهي قدرة من قدراته المتعددة التي تتسع أيضا لتشمل القدرة على التعليم، “ففاروق عبد القادر “ حين ينقد عملا من الأعمال حريص على أن يرتقي بذوق القارئ له على أن يدرك الغث من السمين والقبيح من الجميل أيضا،وهو لا ينحاز إلى الشكل على حساب المضمون ولا للمضمون على حساب الشكل ولكنه حفي أشد الحفاوة بأن يكون العمل قيمة في حد ذاته وليس مجرد تقليد لأعمال سابقة أو تطبيق لنظريات سائدة،ولهذا فإن ” فاروق عبد القادر “ يأخذ بأيدينا نحن القراء وبأيدي الأدباء كذلك ليرشدنا إلى الأسلوب الأمثل لأداء الفكرة ولصناعة العمل الأدبي نفسه….وهو يتمتع بثقافة رفيعة وموسوعية أيضا،أجاد الإلمام بتاريخ المسرح على المستويين النظري والتاريخي،وأجاد الإطلاع على أدبنا المعاصر في كافة صوره وهو يستدعي من ذاكرته الحافظة القوية المنظمة ما يراه ضروريا لأن يضيء صورة العمل الذي يتناوله بالنقد.
ويتمتع ” فاروق عبد القادر “ بالقدرة على فهم النص الذي يتناوله في إطار من الفن الجميل،والعلم الدقيق،ثم هو قادر بحكم ثقافة حقيقية على أن يقدم لنا هذه الرؤية العميقة بأسلوب سلس وقوي وأخاذ وبقلم شجاع وعادل وجريء وبدون إسهاب أو إطناب أو إدعاء،وليس من شك أن كل هذه المؤهلات ترتفع بالإنتاج النقدي ” لفاروق عبد القادر “ لتضعه في الذروة بين نقاد الأدب في التسعينيات.
وبالإضافة إلى هذا كله فإن ” فاروق عبد القادر “ لا يتعالى على النص الذي ينقده حتى وإن كان هذا النص بحاجة إلى شيء من التعالي،وهو يفحص النص الذي بين يديه بدقة وأمانة،ويظن بعض الناس أن هذا الفحص نوع من أنواع التشريح،بينما التشريح نفسه في واقع الأمر نوع من أنواع الفحص،وعلى هذا النحو من الفهم لأهمية الفحص وطرقه يبدو ” فاروق عبد القادر “ متمكنا من وسائله وقادرا عليها،وإن ظن بعض الناس أنه يتزيد في استعمال هذه الوسائل بينما هو يؤدي دورا إنسانيا جليلا وشريفا افتقدنا من يؤديه منذ زمن طويل حتى كادت الوظيفة تغيب عن الحياة لغياب من يقوم بها.
وتنطق كتابات ” فاروق عبد القادر “ النقدية بتمكنه البارع من مجال تخصصه الأصلي في علم النفس فهو قادر أن يؤطر ما يراه في العمل الأدبي في إطاره الصحيح من النفس الإنسانية على المستويين،مستوى المبدع ( أو الكاتب ) ومستوى المبدع ( أو الشخصية التي يقدمها العمل الفني ) وهو حين يؤطر هذا الذي يراه فإنه يصل إلى الهدف بسرعة شديدة،ولكن الأعظم من هذا أنه يصل إلى الهدف الصواب لا الهدف الخاطئ،ومن الطبيعي أنه يوهمنا أنه فعل ذلك بسرعة،لأنه لا شك يعاني من العمل حتى يصل به إلى حقيقته التي ربما غابت حتى عن المبدع،ولكنها لا تغيب عن ناقد قدير مثل ” فاروق عبد القادر “ .
كذلك فإن ” فاروق عبد القادر ” يستغل اللغة العربية الجميلة بما هي أهل له من التعبير الجميل والدقيق، وفي قاموس كلماته ألفاظ لا يصل إليها إلا المتمكنون من اللغة الفلسفية والمصطلح النقدي والاجتماعي ،وأشهد أني كثيرا ما أفدت من الألفاظ الجميلة التي يحييها لنا “فاروق عبد القادر “ ، ومن هذه الألفاظ “يؤطر ” التي استخدمتها في الفقرة السابقة،مجايليهم،أي الذين من نفس الجيل،وراصفوا الكلمات….الخ.
ولست في حاجة إلى أن استعرض الفصول التي ضمها هذا الكتاب ولكني أريد أن أشير إلى هذه الصفحات الجميلة التي قدم بها ” فاروق عبد القادر “ لهذا الكتاب مضمنا إياها بعضا من سيرته الشخصية والتي هي في حاجة إلى كتاب أظنه لن يبخل به علينا في فترة قادمة،ليرينا ويري الأجيال القادمة أنه أصاب الصواب كله حين امتلك الحرية كاملة غير منقوصة ولا أظن أن أحدا يستطيع أن يفعل ذلك غير ” فاروق عبد القادر “ .
ولكني أجد نفسي مدفوعا إلى أن أسجل الشكر والتقدير للناشر الذي أتاح لنا هذا المجلد القيم وهو المركز المصري العربي الذي يرعاه ويقوم عليه الفنان الأستاذ محمد بغدادي.
وأجد نفسي مدفوعا كذلك أن أسأل عن ملحق كان ينبغي أن يرد في نهاية الكتاب فيه بحث الدكتور مراد عبد الرحمن عن العناصر التراثية في الرواية العربية،فقد أشار ” فاروق عبد القادر “ إلى هذا الملحق في صفحة 269 من كتابه الذي بين أيدينا ولكني لم أجد هذا الملحق،هل هو يشير إلى كتاب آخر وأخطأت أنا الفهم؟لست أدري.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا