الرئيسية / المكتبة الصحفية / ماذا يعني إصدار طبعة عربية من مجلة عالمية؟؟؟

ماذا يعني إصدار طبعة عربية من مجلة عالمية؟؟؟

تاريخ النشر : 10 يونيو 2000

تنتابني سعادة عارمة مع تدشين الطبعة العربية من مجلة عالمية أسبوعية،وهو حلم قديم تحقق أخيرا بفضل مناخ ثقافي جيد يدرك جيدا طبيعة الإنجاز الحضاري الذي ينبغي أن تتوجه له الجهود،وفي حقيقة الأمر فإن في دولة الكويت مؤسستين رائدتين في إنتاج الثقافة الرفيعة ” مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ” التي لا تتفوق مؤسسة أخرى في العالم كله على إنجازها في مجال الثقافة العلمية،والمجلس الوطني للثقافة بكل ما يصدر عنه من مطبوعات ومنشورات رصينة ودراسات جادة.

هذا فضلا عن وزارة الإعلام نفسها التي تضطلع منذ نشأتها بدور ثقافي وتثقيفي مستنير،وليس أدل على هذا من أنها تتبنى منذ نهاية الخمسينيات إصدار أعظم مجلة ثقافية عربية على الإطلاق وهي مجلة ” العربي “التي أسسها العالم المصري الكبير الدكتور ” أحمد زكي “ الذي جمع إلى ريادته العربية في علم الكيمياء ( وهو عالمنا الأول فيها ) قدرات ومواهب ثقافية وتثقيفية متميزة هيأت له أن يتولى في مصر رئاسة تحرير مجلة ” الهلال “ قبل أن يصبح وزيرا للشؤون الاجتماعية ومديرا لجامعة القاهرة.

وبالإضافة إلى هذه المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية فإن مؤسسات صحفية كويتية تتنافس على الوجود الفعال في حقل الثقافة الرفيعة.

وفي الحقيقة فإن الإنجاز الأصعب من إنجاز ” النيوزويك “كان هو إنجاز إصدار مجلة ” العلوم “ كترجمة عربية لمجلة ” ساينتيفك أمريكان “ رفيعة المستوى،وقد أثبتت المؤسسة التي تصدر مجلة  ” العلوم “ أكثر من نجاح في الارتقاء  بأداء العلم نفسه في الوطن العربي،وعلى سبيل المثال فقد أصبحت هناك مصطلحات معاصرة لكل جديد في العلم الذي لا يكف  عن تجديد نفسه ،كما أصبحت هناك نصوص عربية علمية تعرض في دقة بالغة وأمانة متناهية وقدرة واضحة على التعبير كل ماهو جديد في العالم الذي لا يتوقف عند لغة.

ولا أستطيع أن أكتم عن القارئ شعوري بان خطوة إصدار الطبعة العربية من ” النيوزويك “ قد تأخرت عن الوقت الذي كان متاحا لها بالفعل بعدما تهيأت روح مؤسسة قادرة على إصدار مجلة العلوم بصفة شهرية،خاصة أن الجهد الصحفي والتحريري والفني المطلوب لإصدار طبعة عربية من ” ساينتفك أمريكان “ يفوق الجهد المطلوب لمجلة ” النيوزويك “ بخمسة أضعاف على الأقل .

ولست بمستطيع أن أمضي في هذا المقال دون أن أشيد بأحد رهبان العلم في مصر وهو الدكتور ” عبد الحافظ حلمي “ الذي يتولى بعلمه الغزير وتواضعه الجم وقدرته الفائقة على الإنتاج فائق الجودة تقديم المعونة الكاملة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي في إصدار موسوعة علمية للأطفال على أرفع وأدق مستوى ،فضلا عن الإسهام البارز في تحرير ومراجعة مجلة العلوم،وهو رمز لعلماء مصر الكبار الذين لا يقف عطاؤهم عند سن أو مركز علمي أو موقع وظيفي،وقد نال من ذلك كله أرفع درجاته في وطنه الذي لا يبخل على علمائه بالتقدير،وإن بخل عليهم بالتلميع الإعلامي لاعتقاده الحضاري بأن العلماء أكبر من كل شهرة كذلك فإني أحب أن أشير على سبيل التنويه بالطبعة العربية لملحق ” لوموند الدبلوماسي “ التي كانت تصدر في تونس.

لكن ما هو ياترى مصدر السعادة التي تنتاب المثقف المصري حين يجد ” النيوزويك “ متاحة في طبعة عربية.

  1. من الوارد أن الذي يحرص على قراءة ” النيوزويك “ في الطبعة العربية كان يحرص على قراءتها من قبل في الطبعة الإنجليزية،لكنه بالبداهة سيوفر من الوقت الذي يبذله في قراءة ” النيوزويك” بالإنجليزية قدرا لا يستهان به حين يتاح له نفس النص بلسان الأم مع أهمية مثل هذا الإنجاز على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي،فإنه يتوارى بعض الشيء ليأتي في نهاية قائمة الإنجازات.
  2. ومن المؤكد كذلك أن مثل هذه النسخة العربية من إصدار عالمي تتكفل بإتاحة حذافير النص الإنجليزي بكل سحرها وما تكفله من الإطلاع العالمي الواسع بحيث يصبح صاحب القرار وصاحب الرأي في العالم العربي مزودا – لو أراد – بنفس المدخلات المتاحة لغيره.
  3. ولكن هذا العامل ليس هو العنصر الحاكم الأول في ظل السبق الذي حققته محطات تليفزيونية عالمية ك ” سي.إن.إن “أو شبه عالمية أو متعددة الجنسية،فلم يعد هناك مايشاع على أنه سر أو على أنه نشر في ” النيوزويك ” فقط ولم ينشر في غيرها…الخ.
  4. ومن المؤكد كذلك أن صحافة إقليمية محدودة القدرة والانتشار تستطيع أن تنافس الصحافة العالمية بكل جبروتها إذا ما التفت إلى مكامن القوة في الأداء الصحفي  وكلاسيكيات  الإنجاز المهني التي هي في حقيقة الأمور متاحة ومشاعة بين من يتمتع بكل الإمكانات المهولة من ناحية، ومن يفتقر إلى أدنى الإمكانات قدرة من ناحية أخرى وفي الكلاسيكيات التي يدرسها طلاب الصحافة أمثلة كثيرة على القدرة على تحقيق السبق والتفوق دون حدود أو سقوف.
  5. ومن المؤكد رابعا أن طبعة عربية من إصدار كبير ومتميز وواسع الانتشار لن تنفرد بأن تتيح محتويات مواده،ففي ظل تبادل المعلومات والنقل والاقتباس والإشارة إلى المصدر،وحقوق التبادل وروح الانفتاح والعولمة….الخ،فإن أية معلومة ذات بال لن تبقى حكرا على المصدر الذي نشرها،ومع ان هذا لا ينفي أنه يظل صاحب الحق والامتياز إلى النشر أو الاكتشاف أو التحليل.
  6. عندي أن ما هو أهم من هذا كله فيما يتعلق بالطبعة العربية من أي إصدار عالمي ذي قيمة هو إقامة مستوى للمقارنة الدائمة المستمرة بمستوى متميز،أي ” مونيتور ” كفيل بقياس أي متغيرات مثل هذه  ” المعايرة STANDADIZATION “تظل بمثابة هدف أساسي في ضبط النجاحات أو التفوق والإنجاز وما إلى هذا كله من عوامل تقييم الأداء في عصر أصبح يعلى من قيمة تقييم الأداء.

ولست أنكر أن مجلات عربية رائدة قد وصلت في بعض مراحلها إلى المستوى المهني المتميز الذي كان كفيلا بأن يمكنها من أن تكون بمثابة ” المعيار ” الأساسي الذي تقاس عليه الإنجازات الأخرى،ولست في حاجة إلى أن أسمى هذه المجلات لأننا جميعا نعرفها في فترات ازدهارها ووصلها إلى القمة،ومازال بعض رؤساء تحريرها النوابغ بين ظهرانينا يتمتعون بكل إجلال وتقدير،ونحن نعرف أيضا أن غياب روح المؤسسة قد انتهى بالتألق إلى ذبول مؤقت،وقد مضى بالتفوق إلى تراجع مقنن كما وصل سعة الانتشار إلى استهداف تقليل المطبوع لا المباع فحسب.

ولكن حين يتاح للصحافة العربية هذا المستوى العالمي من مجلة جاهدت طوال حياتها في البقاء على القمة  أو قريبا منها على الأقل،فسوف يكون من المأمول ( ومن الممكن في ذات الوقت ) أن يتحقق ارتقاء تدريجي وواثق في الأداء الصحفي العربي بفضل وجود مستوى محدد ومتميز لإجراء المعايرات وتقييم الأداء.

وفي هذا الصدد فإني أحب أن أنبه إلى حقيقة مهمة نكاد نتغافل عنها بدون قصد،وهي أهمية التخصص في الكتابة الصحفية،ومن حسن حظ مصر أنها عرفت عند السبعينيات أسماء لامعة في تخصصات معينة كادت شهرتهم في مجالات تخصصهم أن ترتقي بقوتهم المهنية والإنسانية والاجتماعية،وقد أصبحوا في نفوذهم الاجتماعي موازين للوزراء المتميزين ولعمداء التخصصات البارزين،ولكن هذا الاتجاه للأسف الشديد قد تراجع دون سبب واضح أو مفهوم حتى مايقال عن صراع الأجيال وحرص المتفوقين على حجب وتقزيم بل وشغل من يلونهم بما يبعدهم عن تكرار الوصول إلى القمة.

ولا أظن النجاح في الأداء الصحفي يتحقق دون أن يترهب عدد كبير من صحفيينا المتميزين وما أكثرهم للتخصص الواضح خاصة في مجالات العلم والاقتصاد التي تحتاج مهارات رفيعة وخلفية معلوماتية واسعة.

ولعل هذا يدفعني إلى أن أسجل اعترافي الذي أكرره كثيرا من أنني كأستاذ في الطب أتعلم كثير جدا من صياغات صحفية وتحريرية رائعة يقدمها في صفحة الأهرام الأسبوعية صحفيون مصريون شبه متميزين لموضوعات طبية غاية في الطزاجة….ومع هذا فإن هؤلاء تحت ضغوط ظروف الحياة ومتطلباتها ينشغلون بمهام صحفية أقل بكثير من إمكاناتهم المهولة،ولو قدمت لهم الرعاية لأصبحوا على نفس مستوى كثير من محرري ” النيوزويك “.

بقيت ملحوظة أخيرة عن ” سعادة خاصة بأن ” النيوزويك “ دونا  عن شقيقتها  ” التايم “ هي التي تصدر في طبعة عربية والذين يقرؤون المجلتين يدركون مدى سلاسة لغة ” النيوزويك ” وقربها من لغة الصحافة التي نحبها جميعا،ولا يعني هذا بأي حال التقليل من تأنق أو تكلف ” التايم “لكنه تأنق يأتي في مرحلة تالية لما تتمتع به  ” النيوزويك “ من رصانة ومازلت أذكر موضوعا ترجمته من تلك المجلة منذ تسعة عشر عاما ونصف عام بالضبط لكنه تضمن – ويا للعجب- إرهاصا كاملا بكل ما وصل إليه في التعامل مع أزمات الشريان التاجي في القلب….وقد كانت معلومات وإشارات هذه المجلة الأسبوعية سابقة بفترة كبيرة على كل ما هو متاح في المجلات الطبية المتخصصة في أمراض القلب،وذلك بالطبع بفضل الحرية المهنية التي تتمتع بها الصحافة بعيدا عن الكهنوت الأكاديمي الدقيق والمتزمت….وهكذا ستكون الصحافة….وإلا فلا.

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com