تاريخ النشر : 27/04/2015
في ظل امتداد أمد عدد من النزاعات التي أعقبت ثورات الربيع العربي بلا حسم، أصبح من المعهود أن تقرأ في التحليلات السياسية والدراسات الاستشرافية تعبيرات فجة عن تحولات إيديولوجية تأخذ صورة صياغات جديدة للتاريخ العربي المعاصر، وهي صياغات تستهدف تبييض وجوه أو تسويد أخرى.
وكأن التاريخ لا يعدو أن يكون صلصالا يشكل منه الصحفيون والإعلاميون التماثيل “الوهمية” التي يريدونها مؤيدة لنزاعات كياناتهم قبل أن تكون معبرة عن نزعات هذه الكيانات، وهم لا يدركون أنهم بهذا التصرف البراغماتي يصادرون (للأبد) أرصدتهم المستقبلية في الاستناد إلى ثوابت كفيلة بتقوية وجهات نظرهم الداعمة لتحركاتهم على الأرض.
ومن الملفت للنظر أن العناصر التقليدية في الخطاب الديني تم استنزاف استخدامها في هذا الميدان إلى حدود خطرة وقاتلة، لكن هذه الاستخدامات كانت لحسن الحظ مفيدة لوجه الحق والحقيقة.
وعلى سبيل المثال فإن دفاع الانقلابيين في مصر عن موقفهم من الحرب على الإسلام قد اتخذ كل ما كان ممكنا لهم من أسانيد كاذبة ودفاعات صورية، فلما تم استهلاكها جميعا لم يجد هؤلاء بُدا في النهاية من الخروج الاضطراري بمعركتهم إلى السفور كمقابل للحجاب.!
ولم يكن هذا صدفة، وإنما كان تعبيرا مباشرا وصريحا منهم عن محاولة السعي للمساس برمز يعتبرونه شكليا، لكنهم يرتعدون منه إلى أبعد حد. ومن سوء حظهم أن حملتهم الوهمية ضاعفت من سفور نواياهم المعادية للإسلام، في الوقت الذي ضاعفت فيه من احترام الحجاب وما يعبر عنه حقا أو تمثيلا وما يعكسه من تدين أو التزام.
ومن الطريف أن الدور الأميركي الذي ظل منذ الحرب العالمية الثانية مرتديا قفازات محكمة وخادعة، قد أصابه الملل من القفازات المحكمة، وآثر أخيرا أن ينزل إلى حلبة الصراع بدون قفاز، مع أن هذا التوجه لم يكن متوقعا منه على الإطلاق، فضلا عن أنه لم يكن مطلوبا ولا مبررا.
وربما الصدفة -في المقام الأول- هي من دفعت الأميركيين الرسميين إلى مثل هذا التوجه الذي كان في نظرهم كما كان في نظر أسلافهم نوعا من الحماقة غير المناسبة، لكننا نظلم أنفسنا إذا لم نثبت أن القراءة الصريحة للواقع من جانبنا (والتعبير عنها بوضوح وقوة) كانت السبب الرئيسي في اضطرار الأميركيين إلي خلع القفازات بعدما تعودوا على ارتدائها، في ظل حرص قادة الرأي السياسي والفكري في العالم الإسلامي فيما مضى على أن تكون أحكامهم أقرب إلى المنهج العلمي الحكيم، بأن تحرص على التبعيض لا التعميم المخالف -ببساطة- للعلم والحكمة.
فلما آثرنا في أعقاب الانقلاب العسكري أن نصف الواقع بالواقع دون انتظار للثناء على التزامنا بالحكمة والمنهج العلمي، لم يجد الأميركيون حرجا (ولا مناصا كذلك) من أن ينزلوا الحلبات بلا قفازات، وإن اضطروا من آن لآخر أن يعودوا إلى ارتدائها (دون جدوى) في بعض اللحظات.
ومن العجيب أن الوصول إلى هذه الحالة من “المصارحة الاضطرارية” أفاد جماهير الشعوب السنية إلى أبعد مما نتصور، فقد قادها إلى الوعي والمعرفة والانتماء بدرجات لم تتحقق من قبل.
ولم تكن هذه هي المفاجأة الأولى في ردود فعل الشعوب الإسلامية تجاه موجة التحرش “الأميركي” الراهنة بالإسلام، وهي موجة تراوحت بين محاولة إسقاط أردوغان بأي آلية ومهما كان الثمن، إلى تأليب السعوديات من أجل قيادة السيارات وما شاب ذلك، وتأليب الأرمن على الأتراك، والروس على الشيشان، والأوكرانيين والروس معا على القرم، وبورما على أراكان، والصين على تركستان، وضم قبرص واليونان مع الانقلاب العسكري في محور ضد الأتراك، ووثنيي أفريقيا الوسطي ونيجيريا ضد مسلميها، واختلاق حفتر في شرق ليبيا واصطناع “حفاتر” آخرين في مناطق أخرى.
وفي كل هذه البؤر الملتهبة، لعب الإعلام الأميركي (دون أن يقصد أو يتصور) دورا ضخما (مركزا ومكثفا ومكررا ومؤكدا) في تنبيه المسلمين السنة إلى ضرورة الولاء لدينهم والبراء من أعدائه ومنافقيه. ولو أن المخلصين من المسلمين السنة أنفقوا كل أموالهم للوصول إلى عشر معشار حالة الوعي التي خلقها العداء الأميركي المراوغ للإسلام، ما وصلوا إلى ما حققه هذا الإعلام المعادي في عامين متتالين (٢٠١٣-٢٠١٥) لم يكف -ولا يزال- يصبغ فيهما الخبر بكل ما هو ممكن من التأليب والتحريض في ناحية، والتجاهل والتبريد في ناحية أخرى، وقد باتت حقائق هذا الموقف واضحة لا تحتاج إلى تبصرة، كما أن أثرها المتجدد أصبح يصب مباشرة في تجديد الوعي وصيانة الذاكرة الإسلامية من دواعي النسيان وعوامله.
ومن الملاحظ أن حالة الوعي لم تقف عند حدود إدراك حقيقة العداء للإسلام، ولكنها تعدت هذه الحقيقة إلي طبيعة المقاربات الأميركية مع الطوائف الإسلامية والمنتسبة للإسلام، وإلى ما تضمنته ولا تزال تتضمنه هذه المقاربات من مفارقات، وهو ما تبلور بوضوح في إثبات ذكاء توقعات الرأي العام الإسلامي فيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية الأميركية حيث جاء الاتفاق النووي الإيراني ليؤكد أن فطرة الجماهير السنية المسلمة كانت أصدق حكما على الأمور من كل التحليلات والدراسات التي لا تزال تبحث عن موطئ قدم تثبت به أنها كانت على صواب ما في جزيئة ما من جزئيات الصراعات العربية الفارسية.
هذا في الوقت الذي تتوالى الأحداث والوقائع التي تثبت أن رؤية الجماهير البسيطة حازت كل الصواب، وليس هذا بغريب على عالم السياسة ولا على علم السياسة نفسه الذي هو في جوهره الحقيقي محاولة للحاق بالجماهير في إدراكاتها الوجدانية والعقلية، وليس محاولة لقيادتها كما قد يظن بعض المنظرين.
والشاهد أن ديناميات السياسة في قلب العالم الإسلامي مرت في العامين الأخيرين بقدر كبير من التحليل والتمييز والتفريق والفرز، وقد كان هذا القدر كافيا لإتمام العملية الحاسوبية التي تستمد مقوماتها من رياضيات التفاضل المعنية بالمشتقات المتتالية للسرعة حين تعمد هذه الرياضيات إلى دراسة التسارع في مشتقات متتالية، وهي عملية معقدة لكنها ليست مستحيلة، لأن لها قواعدها الرياضية الكفيلة بالحساب الدقيق.
ومع أنه في علم السياسة يصعب القول بوجود قواعد دائمة ومنطقية أو متمنطقة لحركة الأحداث وتدافعها، فإن العثور على شبه مصفوفات أو منظومات حاكمة لهذه العلائق ليس بالأمر الصعب، وإن كان منتجا لقواعد متناقضة، مع أنها تحكم قضية واحدة.
وعلى سبيل المثال فإن موقف الطوائف السنية والشيعية من بعضها البعض يشوبه الكثير من التفاوت وحتى التباين، وفي ما بين هؤلاء وهؤلاء تتباين عشرة مواقف على الأقل من طبيعة الصراع أو العلاقة مع إيران كدولة وكنظام سياسي، وهي علاقات باتت تعكس في بعض الأحيان بعدا تاريخيا راكمته السنوات كما في حالة “الجزائر” التي تولت في نهاية سبعينيات القرن الماضي رعاية التفاوض الأميركي الإيراني في أزمة رهائن السفارة، ثم كان لها موقفها الأوتوماتيكي في الاعتراض المبكر جدا على عاصفة الحزم.
وكما في حالة “عمان” أيضا التي قامت أخيرا بدور شبيه بالدور الجزائري القديم بين الولايات المتحدة وإيران، فكانت مقر اللقاء العلني الأول في طريق الاتفاق النووي، ثم كرست هذا الدور بدورها التوفيقي الأخير في عاصفة الحزم. وليس الأمر في الحالين مجرد صدفة، حتى إن كان “غيرنا” هو من اختار “بعضنا” لأداء دور ما في وقت ما
على أن المعضلة الكبرى في الحوار الإسلامي تبقى ماثلة في إطار ترتيب أولويات العداوات، ذلك أن الفكرة التي تقول بأن الأولى أن أكون أنا وأخي على ابن عمي ثم أن أكون أنا وابن عمي على الغريب، تهددها -ولا نقول تقابلها فحسب- فكرة أشد شراسة، تقول بأن المنافقين -ومن باب أولى زائغو العقيدة، وفي بعض الأحيان المختلفون في المذهب- أشد خطرا من الكفار وأولى بالقتال منهم.!
ومرة أخرى فإن التدخل الأميركي السافر في رسم السياسات الإسلامية الكفيلة برضا الغرب سيكون بمثابة العامل الأهم في تحويل الدفة في الصراعات الإقليمية التي أعقبت ثورات الربيع الإسلامي أو العربي، وسيتكفل هذا الإلحاح الإعلامي الغربي بتنبيه الشعوب السنية إلى الموقف الصائب الذي ينبغي عليها أن تقفه في مواجهة الهيمنة الغربية والخداع الغربي والعمالة الغربية، لسبب بسيط جدا كان فيما مضى ساذجا، لكنه أصبح الآن يمثل جوهر الحقيقة التي أثبتت نفسها بنفسها، وهي أن الحروب الدائرة الآن في أكثر من عشرين بؤرة متفرقة في العالم تجمعها راية واحدة هي راية الحرب على الإسلام واستنفاد موارد المسلمين الطبيعية والنقدية على حد سواء. وينطبق هذا -من باب عجائب القدر- على من يقف في صف أميركا وعلى من تصنفه أميركا مصطفا في ناحية أخرى.
لهذا كله فإن عهدا جديدا في العلاقات الإسلامية الأميركية بدأ يتشكل بوضوح، وعلى أسس غير مسبوقة، وبوسع أهل السنة أن يعظموا من استفادتهم منه.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة نت
لقراءة المقال على موقع الجزيرة.نت اضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا
والواقع يقول أن إمريكا بدأت بصناعة اًعداء وهميين ظاهراً أولياء باطناً من الامة الاسلامية لزيادة عمر هيمنتها على الأمتين العربية والإسلامية
وهو مايظهر جلياً على شكل جماعات تدعي براءتها من اليهود وعدواتها لأمريكا وهي في الحقيقة ابنتها المدللة
كجماعة الحوثي التي رفعت شعاراً براقاً خداعاً حينها، ومع مرور الايام اصبح ساذجاً مقبوحاً منبوذا تشمئز منه النفوس وتقشعر منه قبحه الإبدان بعد ما تكشفت سوءته وظهرت حقيقته إذ أن معظم اليمنيين لم يسمعه الا حينما كانت تهدم البيوت والمساجد ودور القرآن
وعلى غرار الجماعة ظهرت جماعة أخرى من السنة المتشددين انتهجت نفس السياسة لكن بدون شعار وهي داعش ، التي لم توجه حدها وحديدها الا لقتل السنة والمعتدلين بل وصارت تهدد ووتوعد كل أمصار الإسلام المعتدل حتى غزة لاندري مالذي أسال لعابهم عليها.
كل ذلك ماكان ليحدث لولا تبني امريكا لمثل هكذا توجهات وسياسات بشكل او بآخر.
هنا نقف مندهشين نستعذب قول طرفة بن العبد والذي كان يستعذبه قبلنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لك تزودِ