تاريخ النشر : (أكتوبر – ديسمبر) 1999
مجلة : الصحة الوقائية للأسرة العربية.
يذهب البعض لإجراء فحوص طبية فيكتشف فجأة أن لديه متاعب في القلب لم يكن يتوقعها على الإطلاق،ولم تظهر أي دلائل أو مؤشرات على حدوثها،وبعد متابعة الفحوص يتضح أن هذه الإصابة الخطيرة جاءت كتطور نشأ عن نوبة حمى روماتيزمية كان من الممكن علاجها والقضاء عليها في وقت مبكر من حدوثها دون أن تترك آثارا على القلب،ونظرا لأهمية هذه الظاهرة وشيوعها يصبح من المهم التعرف على الأبعاد المختلفة للحمى الروماتيزمية .
الحمى الروماتيزمية مرض معدي يحدث كنتيجة متأخرة لعدوى بلعومية ناشئة عن الإصابة بالمكورات العقدية (مجموعة أ ) وتصيب الحمى الروماتيزمية بشكل رئيسي القلب والمفاصل والجهاز العصبي المركزي والجلد والنسيج تحت الجلدي،وعادة ما تعبر الحمى الروماتيزمية عن نفسها في طورها الحاد بالتهاب المفاصل المتنقل وارتفاع درجة الحرارة والتهاب القلب وفي أحوال قليلة قد يضاف إلى هذه الأعراض الرقص الكوري والعقد تحت الجلد والحمامى الهامشية وليس هناك عرض أو علامة أو فحص معملي واحد كفيل بتشخيص الحمى الروماتيزمية إنما يعتمد التشخيص على تواجد عدة موجودات معا،وليس لحالات الحمى الروماتزمية مصير واحد محدد ولا يمكن معرفة مصيرها منذ بدء الإصابة بها ولكن الخبرة الإكلينيكية تدلنا على أن ثلاثة أرباع الهجمات الروماتزمية الحادة تنتهي خلا شهر ونصف (ستة أسابيع) وأن 15بالمئة تنتهي خلال الستة أسابيع التالية أي أن 90بالمئة من الحالات تنتهي خلال 3شهور و5 بالمئة أخرى تنتهي خلال 3شهور أخرى أما الخمسة في المائة الباقية فتستمر لأكثر من ستة أكثر وتمثل عندئذ مأساة واضحة للمريض وأهله.
يمكن للحمى الروماتزمية أن تحدث في أي عمر إلا أنها نادرة جدا في سن الرضاعة وتحدث بشكل شائع بين الخامسة والخامسة عشرة حيث تكون العدوى العقدية أكثر تكرارا وكثافة ويبلغ معدل حدوث الحمى الروماتزمية بعد التهاب البلعوم النضجي بالعقديات في الأوبئة ححوالي3 بالمئة بينما يكون المعدل أقل من هذا بكثير عندما يكون التهاب البلعوم بالعقديات فراديا.
وتلعب العوامل البيئية والإسكانية دورا مهما في حدوث وتطور الحمى الروماتزمية وربما يرجع هذا إلى العدوى العقدية نفسها تتأثر بهذه العوامل ومما لا شك فيه أن الازدحام السكاني وانخفاض مستوى المعيشة من العوامل الرئيسية المتعلقة بحدوث الحمى الروماتزمية.
يرتفع معدل حدوث (أو حتى احتمال حدوث) نوبات جديدة من الحمى الروماتزمية التالية للعدوى العقدية في المرضى الذين أصيبوا من قبل بالحمى الروماتزمية ( أي المرضى السابقين) إلى 5-50 بالمئة وقد لوحظ أيضا أن تكرار رجوع الحمى الروماتزمية في أولئك الذين أصيبوا بداء القلب الروماتزمي أكثر بشكل ثابت من الذين نجوا من الإصابة القلبية خلال الهجمات السابقة ومن ناحية أخرى فقد لوحظ أن الميل لرجعة الحمى الروماتزمية بعد العدوى العقدية يتناقص مع مرور السنين وإن لم يكن هناك تحديد قاطع للسبب في هذا وربما يرجع هذا إلى تحسن ظروف الإسكان بصفة عامة.
وقد تناقصت الوفيات بسبب الحمى الروماتزمية بشكل ثابت خلال العقود الأخيرة وكان التحسن بصورة مثيرة في البلدان التي تحسنت فيها الظروف الاقتصادية وربما تسارع معدل تراجع حدوث المرض بسبب المعالجة واسعة النطاق بالصادات.
ومع هذا فما تزال الحمى الروماتزمية من الأسباب الرئيسية للموت وللعجز في الأطفال والكهول وفي كثير من مناطق العالم كثيرا ما نصادف عدة حالات للحمى الروماتزمية بين أشقاء من عائلة واحدة.
وقد تكون الحمى الروماتزمية قاتلة خلال طورها الحاد وقد تؤدي لحدوث داء القلب الروماتزمي وهو مرض مزمن ينشأ عن التندب والتشوه في الصمامات القلبية.
ومن المهم أن نشير إلى أن الإصابة بالتهاب البلعوم لا تحتم دائما أن تعقبها الإصابة بالحمى الروماتزمية فنسبة صغيرة من الأشخاص الذين أصيبوا بالتهاب البلعوم بالعقديات هم الذين تتطور عندهم الحمى الروماتزمية في طورها الحاد الذي لا يظهر إلا بعد بضعة أيام أو أسابيع من حدوث العدوى العقدية.
الأعراض المرضية:
تنتشر الإصابة الروماتزمية بشكل واسع في الجسم مع ولع خاص بالأنسجة الضامة وتحدث الآفات الالتهابية البؤرية بشكل خاص حول الأوعية الدموية الصغيرة ،وتتمثل الأعراض المرضية الناتجة عنها في الآتي:
- التهاب القلب.
- التهاب مفصلي متنقل.
- داء الرقص .
- حمامى هامشية .
- عقد تحت الجلد.
التظاهرات الصغرى:
- الحمى
- الألم المفصلي
- سبق الإصابة بالحمى الروماتزمية أو بالداء القلبي الروماتزمي
- ارتفاع سرعة تثفل الكريات الحمراء
- ايجابية البروتين التفاعلي “سي”.
- تطاول فترة “ب ر” في رسم القلب الكهربائي.
- وجود دليل لعدوى عقدية سابقة (حمى قرمزية مؤخرا ايجابية زرع البلعوم للعقديات من المجموعة “أ” ارتفاع عيار ASO أو أضداد العقديات الأخرى).
القلب:
كل طبقات القلب (الشغاف العضلة التامور) معرضة لأن تصاب والشيء المميز لالتهاب العضلة القلبية هو وجود جسم أشوف وهو حبيبو،تحت دخني يعتبر وجوده علامة واضحة للحمى الروماتزمية.
يحدث توذم وتفتت للألياف المغرائية وتبدل للخصائص التلوينية للمواد الأساسية في الأنسجة الضامة ويطلق على هذه العملية التنكس الليفيني للكولاجين.
أما التهاب الشغاف فينتج عنه التهاب الصمامات الثؤلولي (المبرق) الروماتزمي وهو الذي يؤدي إلى أكثر إصابات القلب الدائمة أهمية وخطورة حيث إن هذا الالتهاب يشفى محدثا التمسك الليفي والالتحام في نقط التقاء الوريقات الصمامية وفي الحبال الوترية مؤديا بهذا إلى درجات مختلفة من إصابات الصمامات بالضيق والارتجاع،وتصاب الصمامات الميترالية والأورطية أكثر من غيرها يليها الصمام ثلاثي الشرفات أما إصابة الصمام الرئوي فنادرة.
وقد ينتج عن الحمى الروماتزمية التهاب “ليفيني بالتامور” يكون مصحوبا بانصباب “ليفيني مصلي” مع وجود عناصر خشنة من الليفين على سطح القلب وقد يتكلس التامور بعد الشفاء ولكن لا يحدث في هذه الحالات الإندحاس القلبي ولا التهاب التامور المضيق.
وقد تسبب هذه الحمى التهاب القلب الروماتزمي الحاد،ويشخص هذا الالتهاب بسماع لغط قلبي يدل على ارتجاع الميترالي (غالبا) أو الأورطي (أحيانا) وفي الحالات الشديدة يظهر القلب أعراض وعلامات التهاب التامور أو قصور القلب الإحتقاني وقد يحدث الموت نتيجة لقصور القلب الإحتقاني وقد يحدث الموت نتيجة لقصور القلب وإصابة الصمامات خلال المرحلة الحادة للمرض.
وتتراوح شدة الإصابة القلبية من مرض قاتل إلى درجة خفيفة من الالتهاب الخفي ويمكن القول أن الأغلبية العظمى من المرضى المصابين بالتهاب القلب لا تكون لديهم أعراض تشير إلى الإصابة القلبية وهكذا يعتمد التشخيص على تسمح المريض وفحص الظواهر الأخرى للحمى الروماتزمية.
ويحدث أحيانا ألا يشخص التهاب القلب إذا لم يكن مصحوبا بتظاهرات روماتزمية خارج القلب( كالتهاب المفاصل وداء الرقص) وذلك في الحالات التي لا تسبب الإصابة القلبية فيها أعراضا عند المريض ويكتشف داء القلب الروماتزمي عند هؤلاء المرضى في فترة متأخرة من الحياة دون أن يكون عندهم الوعي بما يسمى سبق الإصابة بالحمى الروماتزمية.
عادة ما يحدث في إلتهاب القلب الروماتزمي تسرع قلبي غير متناسب مع ارتفاع درجة الحرارة ويمكن سماع الصوت الثالث والاحتكاكات التامورية (في حالة حدوث التهاب التامور) كما تؤدي إصابة جهاز التوصيل الكهربائي إلى اضطرابات نظم مختلفة وقد تتطاول فترة “ب.ر” في رسم القلب الكهربائي.
ولا يمكن الاعتماد على وجود تبدلات في رسم القلب الكهربائي لتشخيص التهاب القلب ما لم تكن مصحوبة بتظاهرات سريرية أو لغوط أو ضخامة قلبية ويمكن النظر إلى مثل هذه التغيرات على أنها حميدة.
وعموما فإن التشخيص الإكلينيكي المقنع لالتهاب القلب لا بد أن يستند إلى واحدا وأكثر مما يلي:
- ظهور لغط قلبي جديد أو تغير طبيعة لغط قلبي موجود من قبل.
- زيادة في قد القلب(شعاعيا أو بالتنظير الشعاعي).
- احتكاكات تامورية وانصباب (بصدى القلب).
- علامات قصور القلب الإحتقاني.
خارج القلب:
العقد تحت الجلدية التي توجد في أثناء الطور الحاد للمرض فهي “حبيبومات”(تشبه أجسام أشوف تشريحيا) تكون مصاحبة لتوذم الحزم المغرائية تحت الجلد مع تجمعات من خلايا عملاقة حول الأوعية…وتكون هذه العقد صغيرة حارة غير مؤلمة ويمكن تحريك الجلد فوقها وتميل للوجود فوق السطوح العظيمة قريبا من المفاصل البعيدة وتزول بشكل كامل بعد الشفاء.
أما الإصابات الرئوية والجنينية فتكون أقل تحديدا وتميزا من الناحية المرضية.
لم تشاهد تغيرات مرضية مميزة في الجهاز العصبي المركزي عند المرضى المصابين بداء الرقص الفعال.
التهاب المفاصل:
تكون التهابات المفاصل بشكل متنقل حاد ومصحوب بأعراض وعلامات مرضى حمى حاد.
لا يمكن اعتبار التهاب المفاصل بمثابة أحد معايير الإصابة بالحمى الروماتزمية إلا إذا حدث في اثنين أو أكثر من المفاصل وأن يكون مصحوبا بمعيارين صغيرين على الأقل كالحمى وارتفاع سرع تثفل كريات الدم الحمراء.
متى نعتبر المريض قد شفى من الحمى الروماتزمية سؤال يسأله الوالدان وأهل المريض كثيرا ويحرص الأطباء على التحوط تماما فلابد من مضي شهرين أو أكثر على الانتهاء من المعالجة بالساليسيلات أو الستيروئيدات القشرية.
هكذا يمكن للقارئ تقدير مدى الإرهاق العصبي الذي يتعرض له أهل الطفل طيلة مدة علاجه وبعدها بشهرين.
هل تحدث حالات رجعة؟ نعم وأكثر هذه الحالات تحدث في خلال السنوات الخمسة الأولى من النوبة الأولى وتميل النوبات للتناقص كلما زادت فترة الهدأة بعد النوبة الأولى وتدلنا الخبرات الإكلينيكية على أن 70 % من المرضى الذين يشكون من إصابة قلبية تتطور عندهم هذه الإصابة خلال الأسبوع الأول وأن85 % تتطور إصابتهم خلال الشهور الثلاثة الأولى و100بالمئة خلال الأشهر الستة الأولى من بدء النوبة الأولى….لهذا فإنه إذا لم يظهر لغط جديد كان هذا مؤشرا جيدا لمنع الرجعة.
المعالجة:
استئصال بؤرة العدوى (حتى لو كانت كل الفحوص البكتريولوجية سلبية للعقديات ) وذلك بإعطاء حقنة واحدة 1.2 مليون وحدة من البنزاثين ينسليم بالعضل (أو 6 مليون من البنسلين بروكائين بالعضل) يوميا ولمدة عشرة أيام ثم تطبق سياسة الوقاية.
المعالجة الدائمة:
إذا لم يكن المريض مصابا بالتهاب القلب فإنه يكتفي بعلاجه بالساليسيلات وتصبح الستيرويدات القشرية غير ضرورية ،وتحسب الجرعة اليومية تبعا لوزن الطفل وتكون100 -125مليغرام لكل كيلوغرام في الأطفال وتعطي على أربع جرعات وفي الكبار تكون الجرعة اليومية 6-8 غرام،ويفضل معظم الأطباء الستيرويدات القشرية على الساليسيلات لمعالجة التهاب القلب ويعطي البريدنيزولون بجرعة 60 -120مغ يوميا مقسمة على أربع جرعات .
وتستمر المعالجة حتى تعود سرعة تثفل الكريات إلى الحدود الطبيعية فتوقف الستيرويدات بينما يستمر إعطاء الساليسيلات عدة أسابيع أخرى.
ويجب سحب السيترويدات القشرية بشكل تدريجي مع إدخال الساليسيلات.
ومن المفيد إجراء تحاليل البروتين التفاعلي “سي” وسرعة تشغل الكريات ESRأسبوعيا لمتابعة الشفاء.
وبخاصة عند محاولة إنقاص جرعات هذين العقارين تدريجيا.
الوقاية من الرجعة:
إعطاء حقنة عضلية من البنزاثين بنسلين 12 مليون وحدة أو إعطاء غرام من السلفاديازين فمويا يوميا بجرعة واحدة أو 200.000وحدة من البنسلين الفموي مرتين يوميا وعلى معدة فارغة المرضى أقل من 18سنة يتلقون الوقاية لخمس سنوات على الأقل ومع هذا فالمصابون بداء القلب الروماتزمية أكثر استعدادا لرجعة الحمى الروماتزمية عند تعرضهم لعدوى عقدية أكثر استعدادا لرجعة الحمى الروماتزمية عند تعرضهم لعدوى عقدية.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا