بقلم : شريف عبد الغني
تاريخ النشر : 15 نوفمبر2013
جريدة : العرب القطرية
مهما كان اتفاقنا أو اختلافنا مع أداء قناة الجزيرة، إلا أن من لا يعترف بقيمتها وأنها حاضرة دائما وتشد الأنظار إليها في كل وقت وحين، يكون حاقدا وتفكيره أقل «فكاكة» من الانقلابين في مصر، الذين ظنوا أن انقلابهم نزهة, «كأنهم واخدين العيال ورايحين رحلة في القناطر الخيرية». تغطية الجزيرة للأحداث في مصر ترتفع إلى ما فوق الأداء المهني الرائع. موقف القناة المثيرة للجدل باستمرار -فضلا عن مهنيته- هو موقف أخلاقي إنساني. الفطرة تقول إن المرء يتعاطف مع الضحية لا القاتل.. مع السجين لا الجلاد.. مع الغائب لا الحاضر.. مع المخطوف لا الخاطف.. مع الرجل لا الطرطور. لا أدرى كيف حال الثورة المصرية لو لم تكن الجزيرة موجودة، ومن كان سينقل صوتها للعالم الخارجي بهذه القوة، في ظل إعلام محلي وصل إلى مستوى من الانحطاط يبعد القائمون عليه عن الطبيعة البشرية، ويدخلهم في مصاف الهمج ومصاصي الدماء كما هو شأن من يروجون لهم. وأظرف ما تفعله الجزيرة أنها تشفي غليلنا من الانقلابين، وتفضحهم أمام أمة لا إله إلا الله بـ «البروموهات» التي تكشف ضحالتهم الفكرية واللغوية، وتجعلهم مسخرة تفوق مساخر يونس شلبي. الجزيرة صنعت نجوما من الذين تستضيفهم لتحليل المشهد المصري. هؤلاء لا يمكن مشاهدتهم طبعا في إعلام لميس وشركائها، فهم أصحاب ضمير ورأي مستقل، ومصر «المنقلبة» تلفظ هذا الصنف البشري، وتعادي أي إنسان لا يبيع عقله ويسير في قطيع المفوضين ولاحسي البيادة. عبر متابعتي لهم مع الإعلاميين الأفذاذ بالقناة, ومنهم محمد كريشان وعبدالصمد ناصر وغادة عويس وزين العابدين توفيق ومحمود مراد وأحمد طه وغيرهم، خرجت بهذه الانطباعات عنهم: – الدكتور محمد الجوادي.. أصبحت شعبيته جارفة. الصدق طريقه إلى القلوب, مؤرخ كبير، وحكاء خطير, لا تملّ من مشاهدته والاستماع إليه. هو أحسن من تحدث عن محمد مرسي، وبث كثيرا من الثقة في نفوس محبي الرئيس الشرعي حينما علق على مشهد الرجل الباهر في المحكمة بأنه يزداد ألقا وبهاء مع الزمن، ثم حلل ما فيه «الزعيم الصامد الصابر المجاهد الشامخ» حسب تعبيره، بأنه ينطبق عليه قول الله عز وجل: «وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم». – المهندس حاتم عزام.. طلته وطريقة كلامه توضح أنه «ابن ناس».. مواقفه تثبت أنه مصري أصيل، كل ما يهمه مصلحة مصر, أعجبني اعتذاره للدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء المظلوم، بعدما قارن أداء حكومته بأداء حكومة الخيبة القوية للببلاوي «أحد شباب ثورة 19» كما وصفه. – وائل قنديل.. كاتب كبير. كان في رأيي النجم المشرق لجريدة الشروق, موقفه ثابت من زمان وليس الآن, نموذج لليبرالي الحقيقي الذي يحترم نتائج الصناديق, قابلته أثناء القمة العربية الأخيرة بالدوحة، وجدت حزنا دفينا في صوته عندما أشدت بكتاباته. كان يلمح إلى الهجوم الشرس الذي يتعرض له لمجرد أنه يغرد خارج سرب تشويه مرسي وهدم المسار الديمقراطي. أثناء القمة حصل على تصريح من عصام الحداد، مساعد الرئيس مرسي، عن حقيقة بيع النيل وأبو الهول كما كان يروج إعلام الضلال، وكتب التصريح في زاويته بالجريدة. المفارقة أن رئيس التحرير كتب في نفس العدد عن تصريح الحداد نفسه وقال إن «أحد الزملاء» سأل الحداد عن كيت وكيت، ولم يشر إلى أن السائل هو زميله وائل قنديل مدير تحرير نفس الجريدة, لذلك من المنطقي أن يكون قنديل خارج الشروق الآن. ببساطة لأنه ضد الانقلاب, بينما هي ألقت نفسها في أحضان البيادة! – محمد القدوسي.. هو أحد مفاجآت الجزيرة للمصريين. يعرفه كثيرون ككاتب متميز في جريدة الشعب خلال عصرها الذهبي, لكن ظهوره على الفضائية الشهيرة أوصله لكل البيوت, سرعة بديهيته وخفة تعليقاته جعلته نجما في مشاهد كثيرة على «يوتيوب» يتداولها النشطاء ويكشف فيها زيف ادعاءات الانقلابين وتوابعهم. – محمد شرف.. هادئ هدوء الواثق, واجهة مشرفة وعقلانية لمؤيدي الشرعية. – نادية أبو المجد.. كلما أراها أثق أن مصر بلد المعجزات, سبحان الله, البلد الذي أنجب لميس وغيرها من إعلاميات الجهل العصامي والندب وقاموس فرد الملاية، هو نفسه البلد الذي أنجب نادية المثقفة الهادئة المحترمة. – سليم عزوز.. بارع في الكتابة، ومتمكن في الحديث، وصعيدي جدع صاحب مبدأ، ورغم أنه أيد عمرو موسى في انتخابات الرئاسة فإنه دافع عن اختيار الشعب وساند الشرعية، بل قال كلمة مؤثرة: مرسي يجبرني كل يوم على الندم لعدم انتخابه. – الدكتور حمزة زوبع.. صاروخ جديد في عالم النقد اللاذع. خفة دم لا نظير لها, لن أستطيع تكرار ما قاله عن معجزة «الفكاكة»، حتى لا أتهم من قبل السلطة بسوء الاستماع والسخرية ويسحب من «القرموطي» إزازة الحاجة الساقعة، كما فعل أحمد آدم في الفيلم الشهير! – أحمد حسن الشرقاوي.. يساري محترم. موقفه واضح منذ بداية الانقلاب, علق بعبارة غاية في الروعة على مانشيتات الصحف التي تتحدث عن «هذيان مرسي»، بقوله: الهذيان بعينه هو ما تمارسه هذه الصحف من عدم مهنية وكذب وتضليل. – سامي كمال الدين: ليبرالي على حق, انتقد مرسي عندما كان في الحكم، لكنه وقف معه لأنه «الرئيس المنتخب الشرعي». هل يتخيل أحد أن هذا الفتى ذا الشعر السايح «صعيدي»؟ لا أستبعد أن سليم عزوز لو عرف هذه المعلومة أن «يطخه عيارين». في مقابل هذه النماذج المشرفة، تستضيف «الجزيرة» حرصا على المهنية، المعبرين عن الطرف الآخر. كلهم بلا استثناء -وكتر ألف خيرهم- كشفوا تماما عن نوعية المؤيدين للانقلاب والعاشقين للعسكرة رغم ادعائهم الزائف بأنهم ديمقراطيون حتى الكيعان، فهم بلا منطق ولا حجة. لكن هناك من بينهم من تبدو عليه الطيبة وخفة الظل رغم الكذب البواح الذي ينطقون به. أتذكر الدكتور عمرو هاشم ربيع الذي قال حينما حاول الدفاع عن مختطفي الرئيس: «هما مش حارمينه من حاجة، وكاترين أشتون لما قابلته فتحت الثلاجة واطمأنت لما وجدت فيها كل أنواع الأكل!». ربما لا يتفوق على الدكتور عمرو سوى محمود عطية الذي لم يكن يهمه أن يكسب غريمه ويقنع الناس بما يقول، بل أن يضحك فقط بعد كل إجابة, وكأنه مش مصدق أنه على هواء الجزيرة. أما لو أراد مؤيدو الشرعية أن يختاروا من يكشف عن الوجه التعس للانقلاب، فلن يجدوا أفضل من محمد يوسف المصري، شبيه أحمد الزند، «ولا أميرة العادلي التي «افتكست» خزعبلات حمل المتظاهرين لمدافع جر ينوف!» «كل هؤلاء كوم وسليمان جودة كوم آخر». المذكور يثبت بالكلام الفارغ وقلب الحقائق الذي ينساب منه بلا ذرة حياء، وبوجهه الخشبي الكشر أن لاحسي البيادة هم وجه مصر القبيح.