بقلم ـ عباس الطرابيلي
بتاريخ : 07 يونيو 2011
فساد النحاس ..وفساد النظام الحالي
أثار كتاب الدكتور محمد الجوادي عن زعيم الأمة "الحقيقي" مصطفي النحاس، كثيراً من الشجن.. خصوصاً أنه جاء وصدر وسط أحداث رهيبة كشفت حجم الفساد الذي عاشته مصر، بعده.. وبالذات في الثلاثين عاماً الأخيرة..
فالنحاس هو أنقي زعيم حكم مصر في العصر الحديث.. ويكفي أنه لم يكن يجد ثمن الدواء في سنواته الاخيرة.. وكان كبار الوفديين يدفعون عنه هذا الثمن.. دون أن يجرحوا مشاعره.. وقبلها كان قد استبدل جزءاً من معاشه بسبب أزمة مالية مرت به.. وكان يسكن بيوتاً بالإيجار.. أو ينزل في الفنادق.. حتي في القاهرة والاسكندرية ورأس البر.. فأين هذا من حكام لمصر تربحوا من عملهم السياسي ولم يكسب هو مليماً من هذا العمل.. كل هذا وجدناه الان، علي الأقل من رئيس جمهورية تربح هو وولداه وزوجته الملايين، ولا نقول المليارات، بينما النحاس باشا الذي شكل 7 حكومات بين عامي 1927 و1952 مات فقيراً معدماً..
ويحكي الدكتور الجوادي في كتابه الموسوعي البديع كيف أن النحاس فكر كثيراً في أن يرفض أن يصبح رئيساً لحزب الوفد عقب وفاة سعد زغلول باشا في اغسطس 1927.. فنراه يقول عنه في انتخابات من يخلف سعداً في صفحته 116 كيف أنه رفض أن يصبح رئيساً للوفد مفضلاً أن يستمر سكرتيراً عاماً حتي يتمكن من مزاولة مهنة المحاماة التي كان يتعيش منها.. وقال لأعضاء هيئة الوفد يوماً كيف أنهم يعلمون أنه لا يملك مالاً ولا عقاراً.. وأن في عنقه أسرة كبيرة يتولي شئونها بينما رئاسة الوفد تحتاج إلي تفرغ تام، وإلي حصر كل الجهد في خدمة القضية الوطنية.. ثم كيف انفجرت الدموع من عينيه عندما جعلوه يرضخ لحكم الهيئة وصاغوا بيانا ضمنوه رأيهم بالاجماع.. وكان ذلك يوم 14 سبتمبر 1927.. فأين هذا من حكام الزمان الحالي الذين اكتنزوا الأموال وسرقوا وتملكوا القصور والشاليهات.. مما نراه الآن في نفس البلد: مصر..
ثم أين فساد هذا الزمان.. من فساد زمان.. وكيف أن مكرم عبيد باشا -وكان اليد اليمني للنحاس-كيف سولت له نفسه – بتحريض من القصر الملكي وتوجيه من رئيس الديوان أحمد حسنين باشا – لكي يشوهوا صورة الزعيم، فأعد "الكتاب الاسود«" وأصدره عن مخالفات وفساد – كما يراه – وأحدث الكتاب هزة عنيفة فالشعب كله يعرف نزاهة الزعيم.. فماذا كان من فساد النحاس باشا، كما ذكر هذا الكتاب، أنه كان عن استغلال الزعيم لموقعه كوزير للخارجية، بجانب الرئاسة، تليفونات وشفرة الوزارة للإتصال بسفارة مصر في لندن للسؤال عن سعر الفراء..وشراء جاكيت من الفرو لحرم الزعيم!! مجرد استخدام الزعيم لوسائل الاتصال الدبلوماسية بالخارجية، ونوقشت القضية في البرلمان بمجلسيه علي مدي عدة جلسات، وتمت المناقشة بحرية تامة.. وتحت يدي وفي بيتي هذا الكتاب.. ونص مناقشات البرلمان.. ثم تجميع ما دار في البرلمان في كتاب.. فأين ما أثير من فساد زمان من الفساد الذي تكتشفه الأمة الآن من فساد لا يصدقه عقل؟!!
ونتذكر هنا واقعة استئجار النحاس للمسكن الذي عاش فيه سنواته الأخيرة في جاردن سيتي -وكان مملوكاً لسيدة أجنبية- واستأجره النحاس بعد أن كانت تستأجره وزارة المعارف كمقر لجزء من كلية أو مدرسة فنية.. وكان بالمسكن بعض تجهيزات كان من المستحيل نقلها إلي المقر الجديد فعرض النحاس دفع تكاليفها.. هذا هو كل الفساد الذي اتهموا به النحاس باشا ومرة أخري أين ذلك من الفساد الحالي من الاستيلاء علي القصور والفيلات والشاليهات؟ وعجبي!!
هذه نماذج من حكام حكموا مصر زمان، وفي مقدمتهم النحاس باشا.. وانتم تعلمون نماذج حية مازالت تعيش بيننا حتي الان.. واكثرهم الان في سجن مزرعة طره.. أو خارجه !
وجاء كتاب الدكتور الجوادي عن النحاس باشا في وقته تماما لكي نعرف قيمة هذا الرجل الذي وهب حياته كلها للوطن وعاش فقيراً يعاني حتي من عدم القدرة علي دفع ثمن الدواء، أقول ذلك ليس لأنني "نحاسي" الهوي.. والهوية.. ولست "سراجياً" فمع كل الاحترام والحب للزعيم فؤاد سراج الدين إلا أن حبي – وحب كل الوفديين الأصلاء – يتركز حول مصطفي النحاس.. ويكفي ما هتفوا به في جنازته الشهيرة "ماتت الزعامة بعدك يا نحاس"..
وكل الشكر للدكتور الجوادي أستاذ القلب بجامعة الزقازيق.. الذي يزاول مهمته حتي الآن كأستاذ في كلية الطب.. وكطبيب معالج في عيادته.. فهو يعشق الطب عشقاً خاصاً..
ود. الجوادي الذي أصبح عضواً بمجمع اللغة العربية عام 2002 يحتل مقعد أديبنا الكبير الراحل ابراهيم عبد القادر المازني أما أول كتاب قدمه للمكتبة العربية فكان عن الدكتور محمد كامل حسين عام 78 ثم كتابه عن بلدياتنا معا الدكتور علي مصطفي مشرفة عام 1980، وكان الجوادي أصغر من حصل علي جائزة الدولة التقديرية عام 2004.. وقبلها كان أصغر من حصل علي جائزة الدولة التشجيعية عام 1982..
شكرا يا دكتور جوادي علي كل ما قدمت.. وخاصة عن.. الزعيم مصطفي النحاس..