تاريخ النشر : ٢٠٠٧/٧/٢٧
اجتمعت في الدكتور عبد العظيم رمضان مجموعة من الصفات, أهلته لأن يحتل مكانا مميزا في تاريخ وطنه, كما احتل مكانة متميزة بين مؤرخي هذا الوطن.
كان مورخا موهوبا, رزق القدرة علي الوصول إلي لب الحقيقة من بين الوقائع والروايات, وكانت أدواته في هذا الوصول علما غزيرا, وفكرا نافذا إلي دلالة الوقائع, ومنهجا قادرا علي الفحص والدرس والمقارنة والاستنتاج.
وكان قبل هذا باحثا علميا متميزا, قادرا علي الوصول إلي المجال الذي يمكن له أن يجد فيه الحقيقة, وقادرا علي الذود عن صواب استنتاجاته وعن صواب الطريق الذي سلكه من أجلها. وكان كاتبا قادرا علي الإقناع بما يريد أن يقنع به, والهجوم علي مايريد أن يهاجمه والانتصار لما يؤمن به ونقض مايخالفه وربما تسفيهه. كما كان مع هذا مثقفا واعيا لدور التيارات المتلاطمه في الحياة الفكرية والعقلية, ولطبيعة الصراع الاجتماعي والسياسي.
وبهذه الصفات الأربع انطلق عبد العظيم رمضان يخوض معاركه في ثقة, ويعرض آرائه في اعتزاز, ويدافع عن وجهات نظره بإصرار, ويقدم أحكاما قاطعة من دون توسط أو تحرز أو تهيب أو إمساك للعصا من غير أطرافها.
كانت حياته العامة وحياته العلمية علي حد سواء, ملحمة من الكفاح المتصل في سبيل العلم والمجد, ولم يتح لأحد في جيله أن يكافح كفاحه, ولا أن ينجح نجاحه, ولم يتح لأحد في جيله كل هذا الصعود المتصل الواثق, وحين بدت حياته في الظاهر وقد توقفت عن الصعود الرسمي فإنه كان قد استبدل بالصعود الرسمي صعودا في عالم الحقيقة, ودنيا العلم والفكر, حتي إنه لم يظهر أي نوع من التبرم حين أبعد عن الجامعة.
وقد رزق الدكتور عبد العظيم حظوظا عظمي من مميزات التكوين العلمي والفكري وتنامت هذه الخطوط مع كل خطوات حياته, فرزق من خلال التعليم الأزهري المبكر قدرا كبيرا من الصقل العقلي للقدرات الفطرية التي كان يتمتع بها, وعرف أن هناك خطأ وصوابا, وأن القاعدة العلمية هي التي تحكم الخطأ والصواب, وأن الهوي وحده لايكفي لتبرير موقف أو رأي, ثم أتيح له أن يواصل دراساته في التعليم العام معتمدا علي نفسه, فتعلم أن يعلم نفسه ويثقفها علي نحو قادر وسريع, وأن يجتاز المقررات بسرعة ليحصل منها علي مايريد من مسوغات التأهل لمرحلة تالية.
ثم أتيح له أن يواصل تعليمه الجامعي من خارج أسوار الجامعة فكان شغفه بالجامعة ينتصر لغيابه عن مدرجاتها, وكان شغفة بالعلم قد وصل إلي الحد الذي أهله لأن يكون باحثا.
ثم واصل عبد العظيم رمضان دراساته العليا متنقلا بين القاعات والمكتبات والوثائق, وقدر له أن يدرس تاريخ الحركة الوطنية المصرية في عصر كان يهيأ لأقطابه وكانوا يهيئون للشعب أن الحركة الوطنية شيء من ممتلكاتهم هم وحدهم, فإذا بعبد العظيم رمضان بفضل مجموعة من أساتذته من طراز محمد أنيس, وأحمد عزت عبد الكريم, وأحمد عبد الرحيم مصطفي يكتشف بابا سحريا إلي فهم هذه الحركة, ووصفها علي نحو لم يتح لغيره من المؤرخين السابقين عليه.
وخرج عبد العظيم رمضان إلي الحياة الفكرية متسلحا بالعلم والفهم والفكر والمنهج, لكنه مع هذا كان جادا في ردود أفعاله علي نحو ما كان جادا في عروضه, وكان لايمانع في الإسراع إلي فتح باب الخصام علي نحو ماكان لايمانع في الاندفاع إلي إطلاق الأحكام, وكان قادرا علي الجدل والهجوم وإعادة الهجوم, وكان يفعل هذا كله بتلقائية غريبة, وبقدرة متناهية علي الانتصار لما يراه صوابا, ومع أن بعض أحكامه كانت تبتعد عن الحقيقة فقد كان معذروا في ابتعاده عما لم يعرفه, وعما لم يعرف خلفياته مما يستحيل أن يوضع علي ورق, ولا أظنني اختلفت مع أحد من أساتذتنا المؤرخين بأكثر مما اختلفت مع بعض أحكامه, لكني كنت أدرك بكل صدق أنه فيما بينه وبين نفسه كان مصيبا فيما وصل إليه بأدواته التي كان يعول عليها, وقد كان مجتهدا كبيرا. كما أنه كان انسانا عظيما.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا
أسأل الله لك مددا فى العمر ، وأنه كلما زادك عمرا ، زادك علما وبصييييرة