الرئيسية / المكتبة الصحفية / رسالة إلى الرئيس الجليل مانديلا

رسالة إلى الرئيس الجليل مانديلا

سيدي الرئيس

اكتب إليك وأنت كما عهدك العالم كله شامخ بعزة وكرامة وكبرياء ، شاء لك قدرك أن تتمتع بها طيلة حياتك ، وأن تضيف إليها بحكمتك وحنكتك سبيكة نادرة من الانتصار والتسامح والارتقاء ، فإذا بك في نظر عدوك قبل أصدقائك وقد ارتقيت إلى ذروة عالية ارتفعت عن الذروتين السابقتين اللتين وصل إليهما تولستوي وغاندي ، وأصبحت قبلة للذين يبحثون عن العظمة الإنسانية متمثلة ومتجسدة في رجل واحد خاض المعارك وعاناها ، وفقد الحرية واستعادها ، ومارس القيادة وتخطاها ، وحقق الزعامة وزكاها ، وأصبح اسمه علما خفاقا على كثير من المعاني السامقة والأخلاق الرفيعة، والسلوكيات الحميدة ، لكنه قبل كل شئ وبعد كل شئ أصبح في حد ذاته  رمزاً للإنسانية في أناها الأعلى .

أتتك الحكمة الانسانية الهادية وأنت بعيد عن الحياة المضطربة ،والمتع المشتعلة ،والنفوس العاملة ، وقد تلقفتها فحولتها إلى كيان حى يشع ضوءه وتشيع حرارته ، فإذا شعلة الحرية في نفوس شعبك تزداد وهجاً وألقاً ،  وإذا الاعتزازبالذات يترسخ وإذا الاعتزاز بالوطن يتأكد ، وإذا العمل من أجل كرامة الإنسان يكتسب أرضاً جديدة تشع خصوبة و تتبني مؤيدين كانوا ابعد ما يكون عن فهم عقيدتك في وحدة الإنسانية والمساواة بين أفرادها ، وإذا كل هذا يتضافر ويتآزر ليعزز سعيك نحو الاستقلال الحقيقي ، ونحو العمل الدائب على إنهاء سبة الفصل العنصري ، فإذا المساواة ترتفع بالفصل والتمييز ليتخليا عن الانانية وليقفا معها على قمة الإنسانية ، وإذا الكرامة تؤكد ذاتها ما بين متقبل لها وحريص عليها ، وإذا الوطن يصير وحدة واحدة بفضل شعب خاض التجربة السياسية بكل ما فيها من شرور كثيرة وخير متعدد  وبكل ما فيها من انتصار وهزائم ، وإذا الخير والنصر والحق والجمال والعدل والارتقاء تعبر عن نفسها في صيغة المفرد دالة به على جوهر ما هي عليه بدلاً من أن تنساق إلى التشرذم لتخلق وجهات التعبير المتنافرة التي لا ينبغي لها أن توجد إذا ما تعلق الأمر بإنسانية البشر أوبشرية الإنسان  .
قلت لك يا سيدي إنك تجاوزت غاندي ، وحق لك أن تفخر بذلك ، فقد عشت سعيداً بهذا المجتمع الذي تجاوز الانقسام والفصل ، سعيداً راضياً و قد رآك الناس ورآك شعبك وأنت تتنازل عن مجد الرياسة بعدما أبليت فيها البلاء الحسن حين نثرت حبوب التسامح في ارض خصبة ولم تترك هذه الحبوب تذروها  الرياح .

وقلت لك إنك تجاوزت تولستوي، وحق لك أن تفخر بذلك ،لأنك علمت كثيرين من المعاصرين لك والعارفين بك فضلاً عمن ألهمتهم مع اختلاف الزمان والمكان ، وتجاوزت دور الداعية الجميل إلى دور القدوة الأجمل ، كما تجاوزت دور الفلسفة إلى دور الواقع الذي يتجدد مع كل أزمة تجتازها البشرية من حيث تحتسب أو من حيث لا تحتسب .

إذا قدر لنا أن نتحدث في عالم آخر غير هذا الذي نعيشه وسألني سائل عن نجم العصر الذي قدر لي ان أعيش فيه ، فسوف أقول مانديلا ، وإذا سألني سائل عن التاريخ الذي عشت فيه فسأقول له اني عشت في التاريخ الذي لا أذكر أرقامه لكني أعرف أنه تاريخ معروف لأن مانديلا عاش فيه ، وإذا سألني عن الفارق بيني وبينك في السن ، فسوف أقول إنك ولدت قبلي ولكنك عشت حياتك كلها أكثر شباباً مني ، نعم فقد ظللت فتى العصر حتى وأنت على أعتاب المائة !

                                                                                                                                                                                                              د.محمد الجوادي

نشرت في افتتاحية مجلة الدوحة بتاريخ 2013-12-1

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com