تاريخ النشر :٢٠١٤/٢/٢٧
حاوره : الصحفي أحمد الكومي – الرسالة نت
قيل إنه لم يُضبط متلبسا قبل ثورة 25 يناير المصرية بالحديث في السياسة، وكان قبلها منكبَّا على تأليف الكتب، حتى صدرت له عشرات المؤلفات ما بين التاريخ والأدب والنقد والطب.
تحولات كبيرة طرأت على شخصيته بعد الثورة على نظام الرئيس مبارك فأضحى "ثائرا على كِبر"، يصعد منابر إعلامية شهيرة أبرزها قناة الجزيرة، ويفتح النار على نظام الإنقلاب مستعينا في أحايين كثيرة بـ"خفة الدم" أشهر ذخيرة لدى كثير من المصريين.
تعليقاته الناقدة أثارت حنق قادة الانقلاب فاتهموه في بلاغ قدموه للنائب العام بأنه يشن هجوما على الدولة المصرية !
بجانب كونه مفكرا وأستاذ طب وأديبا ومؤرخا، بات أيضا بالتهمة آنفة الذكر "محاربا"، كل عتاده قلم ونظارة طبية ولسان يُحسن قراءة السياسة كما القرآن، فسبق أن فاز وهو في الثانوية العامة بجائزة أحسن قارئ للقرآن على مستوى القطر المصري.
لو كان طرحنا لمعرفة المقصود سؤال المليون، لأجاب أقلّنا معرفة دون وسائل المساعدة الثلاث: "إنه الدكتور محمد الجوادي".
كان لـ"الرسالة نت" من غزة السبق في محاورته، وتخصيص الحديث معه حول مسألة الجوار الفلسطيني-المصري والربيع العربي، وخلال ذلك كشف عن مفاجأة من العيار الثقيل تنتظر حركة حماس.
ربيع عربي
الجوادي بدأ حديثه بالتأكيد أن ما يجري في مصر حاليًا ثورة حقيقية وليس مجرد ردة فعل على الإنقلاب. وقال: "الموجود الآن ثورة أقوى من الأصلية (25 يناير) لأنها ثورة بالاقتناع والفعل والمشاركة والتضحيات، التي هي اليوم -التضحيات- أضعاف التي كانت بالأمس".
ودافع عن نظرته في أن ما يجري بالمنطقة "ربيع عربي رغم أنف الجميع"، على حد تعبيره.
ويفرد الجوادي مساحات واسعة في كتاباته للتأكيد على استحالة إلغاء ثورة 25 يناير أو إجهاض آثارها ونتائجها ووجودها وروحها، في ظل تساقط الثورات تلقائيا في بلدان الربيع العربي الأخرى.
وفسّر الجوادي في السياق، تلاشي الخشية (الإسرائيلية) تدريجيا من فشل الإنقلاب، بأن "خوف (إسرائيل) الآن ليس على فشل الإنقلاب أو صحوة الإسلام في مصر، إنما على وجودها الذي يتعرض لانهيار فكري وبراغماتي وعملي كامل.
وحول إمكانية أن تتعاطى حركة حماس مع الربيع العربي، أشار المفكر السياسي إلى ضرورة ذلك. لكنه نصحها قائلا: "لكي لا تلتبس العلاقات مع الغرب ينبغي على حماس أن تبرِّد العلاقات مع (إسرائيل)، بمعنى تجنب ما يؤخذ على أنه استفزاز".
وأكد الجوادي وهو المؤرخ المصري أن بلاده مخطئة في حق غزة، وأنها "مطالبة بتصحيح هذا الخطأ حتى لو مر عليه 50 سنة"، وفق قوله.
وأضاف: "في حكم القانون الدولي، الجهة المسؤولة عن غزة حتى اللحظة هي مصر، بناء على اتفاقية دولية أُبرمت عام 1949".
واعتبر أن مسؤولية مصر عن القطاع، قانونية وحقوقية ودولية، مستدركا: "لا يمكن لأي اتفاق من اتفاقيات السلام أن يلغي ذلك (..) غزة في رقبة مصر حتى الآن".
وتابع الجوادي: "الوضع الذي أقترحه لغزة أن تكون كوضع النمسا مع ألمانيا، عملتها الشلن النمساوي التي تُنسب إلى المارك الألماني"، لكنه رأى أنه يُراد تحويل مسألة الجوار الفلسطيني إلى حالة بين أخوين متخاصمين.
وذكر أن المحاولة الجديدة لفتح أزمات مع غزة الآن وخلق عداوة بينها وبين أهل مصر "لن تغيّر من الوضع الحقيقي لمسؤولية الجمهورية عنها".
وشرح أن المسؤولية تفرض على مصر أيضًا دفع أموال لقطاع غزة كما تفرض لنفسها ميزانيات، مشددًا على أن "غزة صاحبة حق، بغض النظر عمن يحكم فيها ومن يحكم في مصر".
حماس والجمهورية
"خصومة سياسية" أنسب مصطلح يمكن أن يوصف به الوضع الذي آلت إليه العلاقة بين حماس ومصر، لكن الجوادي فضّل أن يصف العلاقة بأنها "مشاجرة أخوية لا أكثر" !
وشبّه ما يجري بشجار بين أخوة اثنين أوشى أحدهما بالآخر. وزاد: "هي مشاجرة أخوية تدخل في نطاق الأحداث فقط".
وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد اتصالات سياسية بين حماس والنظام في مصر، وتؤكد الأولى أن لها اتصالات لكن على الصعيدين الاقتصادي والإنساني.
وسبق أن أعلن الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حماس عبر الإعلام أنه "لا اتصالات سياسية مع مصر؛ لأن النظام الحالي ضد أي اتصال سياسي بنا"، وفق قوله.
ويبدو أن مؤشر الخصومة بين حماس ومصر لن يستقر عند انقطاع الاتصالات السياسية وإغلاق معبر رفح وهدم الأنفاق الحدودية والحملة الإعلامية "الشعواء"، بعد حديث الجوادي عن نية القائد العام للقوات المصرية المسلحة المشير عبد الفتاح السيسي إعلان حماس "حركة إرهابية".
وردّ الكاتب والمؤرخ السياسي حول احتمالية أن يغامر السيسي برفع دعوى قضائية دولية تطالب بإعلان حماس حركة إرهابية، قائلا: "السيسي ناوي على كده"، بيْد أنه رأى أن ذلك "يندرج في إطار محاولات (إسعاف ميت بإماتة الحي)، التي هي حماس".
ونبه إلى أن "المحنة الحالية تتيح للجميع بمن فيهم حماس والإخوان أن يعرضوا القضية في بُعدها الإنساني".
وأراد الجوادي في ختام حديثه مع الرسالة الإدلاء بشهادته حول غزة، المنطقة التي تحاصرها (إسرائيل) لأكثر من ثمانية أعوام. ورأى أن فيها أربعة مستويات لا تتوفر في أي دولة بالعالم.
وقال: "غزة، دولة لا يوجد بها أمّية، ومستوى تعلّمها أعلى من الجميع، ومستوى الرجولة أعلى من الجميع، ومستوى الوعي السياسي فيها أيضا أعلى من الجميع".
ومضى يقول: "الأربعة مستويات هذه ليست متوفرة في أي دولة بالعالم كما هي متوفرة في غزة الصغيرة"، مستدركا: "هذه شهادة من مؤرخ له قيمته في الدراسات الجيواستراتيجية وله أحكامه حتى على دول الغرب".