الحاجة فاطمة عبد الهادي – رحمها الله – زوجة الشهيد يوسف هواش
لا يمكن فهم الحاضر دون قراءة الماضى، ولا يستقيم فهم الوطن من دون مشاهدة العالم. ولا يكتمل تصور المستقبل دون تصفح التاريخ، ولا يمكن تحسس السطح دون التمعن فى الأعماق.
لهذا نعود إلى التراث والتاريخ والماضى والكلاسيكيات والبورتريهات ونعيد تصوير الزوايا والصفحات والأدوار والأطوار. لا نجتر الماضى ولا نعاديه. لا نعشق المستقبل ولا نخافه. لا نمجد الحاضر ولا نلعنه. لا نقدس البطل ولا نسفّهه. لا نهمل الشعب ولا نعبده.
نؤمن بالله ونوقن بالآخرة. ونخاف العذاب لكننا فى الحق لا نخشى أى عقاب.
فاطمة عبد الهادى أبرز سيدات الإخوان وزوجة المحكوم عليه بالإعدام فى قضية سيد قطب
مذكرات إحدى مؤسسات «الأخوات المسلمات» التى عاشت ساعات اغتيال البنا
هذا هو العنوان الدال الناطق الموحى الذى صدرت به مذكرات السيدة فاطمة عبد الهادى، التى هى واحدة من أبرز سيدات الإخوان المسلمين، فهى زوجة محمد يوسف هواش، الذى كان واحدا من ثلاثة صدر عليهم الحكم بالإعدام فى قضية سيد قطب (١٩٦٦)، ونفذ فيهم الحكم.
وقبل هذا الحكم وبعده شاركت فاطمة عبد الهادى زوجها مجده، وكفاحه، وخططه، وأهدافه، وكانت شأن كثير من زوجات الإخوان المسلمين عنصرا فاعلا فى تنظيمهم، وحياتهم، ومسيرتهم، وتأثيرهم، وقد أتاح لها العمر أن تملى مذكراتها على مؤرخ الإخوان المسلمين المغفور له الباحث المتميز حسام تمام، وقد كتب حسام مذكرات فاطمة عبد الهادى بالحب ذاته الذى كتب به مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح، ومع أنه كتب مذكرات أبو الفتوح على أنه زعيم معروف، فإنه كتب مذكرات فاطمة على أنها زعيمة غير معروفة، وهكذا وفاها حقها، ومنحها ما تستحق من المجد والتمجيد.
ولئن كان حسام تمام قد أهمل تسلسل التاريخ العام فى كثير من المواضع، فإنه قد عوض هذا باهتمامه الحثيث بتاريخ الفكرة، ومحاولة إضفاء الحياة والتطور على «الفكرة الإخوانية» حتى فى الحالات التى رفضت الفكرة نفسها أن تنصاع إلى فهمه الخاص للتطور الفكرى والعقلى.
ويقدم حسام تمام مبرراته للحديث عن تاريخ فاطمة عبد الهادى باعتباره نموذجا لحياة المرأة فى جماعة الإخوان المسلمين، فيقول ضمن ما يقول:
«… كانت فاطمة عبد الهادى من أقرب الناس إلى بيوت قادة الإخوان ورموزهم التاريخية، فهى عرفت الإمام الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان عن قرب، واتصلت بأهله وزوجته وبناته، بل وكانت المرأة الوحيدة من غير أهله التى عاشت ساعات اغتياله، وكانت حاضرة ساعة غسله وخروج جنازته من بيته، كما كانت وثيقة الصلة بنساء آل بيت حسن الهضيبى المرشد الثانى، ونساء بيت سيد قطب أبرز منظرى الجماعة بعد مؤسسها، عاشت معهن محنة اعتقال الرجال، وأزمة بيوت الإخوان التى خلت من العائل، ثم عاشت معهن محنة الاعتقال مع خمسين من نساء الإخوان فى السجن، وكانت شاهدة وفاعلة فى أهم عطاء للنساء فى العمل الحركى الإسلامى».
ويعطى حسام تمام أهمية خاصة لعلاقة السيدة فاطمة عبد الهادى بالأستاذ سيد قطب فيقول:
«وبحكم رفقة زوجها لسيد قطب طيلة سنوات الاعتقال التى قضيا معظمها فى مستشفى السجن، كان لشهادة فاطمة عبد الهادى على أهم مفكرى الحركة الإسلامية فى نصف القرن الأخير أهمية استثنائية، فهى عرفته عن قرب من خلال العلاقة الخاصة بين زوجها وبينه، كما اقتربت من حياته الخاصة مرة عبر علاقتها بشقيقاته، ومرات باللقاءات المتكررة فى أثناء زيارتها لزوجها رفيقه فى المعتقل والمستشفى، التى وصلت إلى أن صارت موضع ثقته ووسيطة فى مشروع زواج لم يكتمل!».
الرحلة من الإمام حسن البنا إلى سجون عبد الناصر
الحجاب لم يكن قضية حاضرة فى زماننا.. والنقاب لم نسمع به أبدًا ولم نر أى منتقبة إلا فى سنوات السبعينيات
لا بد لنا أن نشير إلى أن السيدة فاطمة عبد الهادى كانت حريصة كل الحرص على الاستجابة إلى طلب متوقع من محرر المذكرات بإلقاء بعض الضوء على الطبائع الشخصية للشيخ سيد قطب فى محاولة للرد على ما أشيع عن قسوته وتجهمه وتشدده:
«… لم يكن (المقصود هو سيد قطب) متطرفا أو متشددا كما يصفه الكثيرون، فقد كنت أراه عندما كنا نذهب لزيارة زوجى الشهيد محمد هواش فى مصحة ليمان طرة، وكانا رفيقين بها، وكنت أذهب مع أمى ومعى سمية وأحمد، فكان الأستاذ سيد قطب يأخذ الأولاد ليتنزه بهم فى حديقة المصحة ليترك لنا فرصة للحديث أنا وزوجى، وكنت أشعر بأنه إنسان بسيط جدا، ومتواضع، وهذا ما خرجت به من معرفة عشر سنوات متواصلة كانت مع زوجى الشهيد فى سريرين متجاورين فى المصحة».
وتنفرد السيدة فاطمة عبد الهادى بالإشارة إلى أن سيد قطب كان مقبلا على الزواج لولا ما اعتاده أهل الصعيد من أمثاله من الالتفات إلى شقيقاتهم البنات قبل أن يبدؤوا الحياة الزوجية:
«وأذكر عندما خرج من المعتقل عام 1964 أننى ذهبت لزيارته، ولم يكن زوجى محمد هواش قد خرج بعد من السجن، ودار بيننا حديث طويل كان فيه أننى سألته: لماذا لم يتزوج؟ فأخبرنى أن والدته كانت قد أوصته قبل وفاتها بشقيقتيه أمينة وحميدة، وأكد لى أنه ما إن يطمئن عليهما ويزوجهما سيتزوج إن شاء الله، وقد زوجهما بالفعل، لكنه لم يتزوج بسبب استشهاده».
ولا تجد فاطمة عبد الهادى حرجا فى أن تذكر اسم السيدة التى رشحتها لتكون زوجة للشهيد سيد قطب:
«وكنت قد رشحت له الأخت فاطمة عيسى، التى تزوجت فى ما بعد الأخ المهندس فوزى نجم الذى كان معتقلا، وكانت الأخت فاطمة عيسى واحدة من عشر أخوات تزوجن من الإخوان فى أثناء اعتقالهم، وأذكر منهن الأخت أمينة قطب التى تزوجت الأخ كمال السنانيرى، والأخت مديحة بنت أخت الشهيد سيد قطب».
ولا ينبغى لنا أن نمضى فى رحلتنا مع هذه الشخصية الإخوانية من دون أن نتحدث عن رؤيتها المحبة لزوجها الإخوانى القيادى أو الفدائى، ومن الحق أن نقول إن فاطمة عبد الهادى تتحدث عن زوجها بكل تقدير ممكن، فهى تتحدث عنه بتقديرها وبتقديره وبتقدير الإخوان وبتقدير الناس، وهكذا تجمع له كل حق التقدير ووجهات النظر فيها، فتقول:
«لقد كان محمد هواش رجلا ربانيا صاحب إيمان راسخ، وكانت لديه قدرة على التأمل والتفكير فى ملكوت الله، كان يقول لى إنه فى أثناء سجنه يجلس فى زنزانته ويتأمل صوت العصافير ويفكر كيف تذكر الله وتناجيه، وكثيرا ما كنت أستيقظ فى جوف الليل فأراه يصلى ويبكى بتأثر وخشوع، وكانت هذه عادته منذ أول يوم زواجنا إلى يوم اعتقاله، وكنت أحيانا أغضب منه وأشكوه لأخى سيد، وكان مقربا إليه فيقول لى أخى: إن محمد يُحلق فى السماء بأخلاقه وسمو فكره، وأنت فى الأرض، فهو مع الملائكة وأنت تعيشين مع البشر، وقد كان أخى سيد شديد الحب له».
وإذا كان لا بد من تعبير عن النهاية المادية لهذه العلاقة، فإننا ننقل عن المذكرات ما تحكيه فاطمة عبد الهادى عن قصة اللقاء الأخير بزوجها قبل إعدامه:
«وعند زيارتى له، التى سبقت تنفيذ الإعدام، نقلونا إلى خيمة وأتوا به وقد تورم وجهه من شدة الضرب، ثم ألقوا به فى الخيمة أمامنا وهو يقول: مش عارف أندم على إيه؟ ماذا فعلت لأندم عليه؟! وأخبرنى أنهم كانوا يريدون منه أن يبدى ندمه على ما فعل ليعلنوا ذلك على الناس، ويستغلوه إعلاميا، ومَنْ يدرى فربما نفذوا فيه الحكم أيضا بعد إعلانه الندم.. لكنه رفض ذلك رغم التعذيب والإهانة».
«ولما رأى ابننا أحمد أخذه فى حضنه فبكى الولد وشكا له أن الناس وزملاءه فى المدرسة والشارع يعيّرونه بأبيه ويقولون إنه الذى حاول قتل جمال عبد الناصر، وانفعل الولد ولم يكن قد جاوز الحادية عشرة من عمره وقال لأبيه: أنا مش قادر أعيش بسبب الناس! فقال له أبوه: يا بنى إن الموازين الآن مقلوبة، ولن تستقيم إلا فى الآخرة».
وهى تحاول أن تستعيد كل ما تتذكره من حواشى هذه الزيارة التى مثلت اللقاء الأخير بزوجها قبل إعدامه حتى تصل إلى توصية زوجها لها بأولادهما:
«كان متأثرا جدا فى هذه الزيارة، وعندما رأيته فى هذه الحالة طلبت من الضابط أن يسمح لى بإحضار الطعام الذى أخذوه منا عند دخولنا، فقال لى محمد: لماذا أتعبت نفسك؟ ثم إننى صائم؟ وهل تعتقدين أنهم سيسمحون لنا بأخذ هذا الطعام معنا لنفطر عليه؟! ثم هوّن علىّ فقال: يا فاطمة إن هذه الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة، وإلا ما سقى منها الكافر شربة ماء، فهونى عليك، وقال لى: لا ترهقى نفسك».
«وقبل أن يأخذوه منا قال لى: أوصيك بسمية وأحمد، فقلت له معاتبة: أتوصينى بأولادى؟! توكل على الله، والله لن يخزيك الله أبدا، وفى الصباح أعدموه».
وهى تشير إلى ما وصلها من حديث عن لحظات إعدام زوجها بما يجعل قلوبنا تتمزق لمثل هذا المصير القاسى:
«كان الإعدام يوم 29 أغسطس من عام 1966 فى حق الشهداء الثلاثة سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح عبده إسماعيل، وأوقف التنفيذ فى حق الأربعة الباقين، وقد علمت أنهم لما أحضروا الشهداء الثلاثة للإعدام جاؤوا بشيخ ليحضر التنفيذ فقال للأستاذ سيد قطب: قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، فرد عليه الشهيد ساخرا: حتى أنت جئت تكمل المسرحية! نحن يا أخى نُعدم بسبب لا إله إلا الله، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله!».
على أن حسام تمام لسبب يبدو معروفا يحرص على أن يقدم فاطمة عبد الهادى فى إطار مختلف عن الإطار الذى قدمت به السيدة زينب الغزالى نفسها فى مذكراتها، وهو يذهب إلى ما لا نوافقه عليه من القول بأن الأخوات المسلمات فى البداية كان عملا دعويا اجتماعيا بالأساس، يهدف إلى الحض على تحقيق العقيدة الصحيحة، والالتزام بمكارم الأخلاق، والقيام بأعمال البر، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وجمع الزكوات وتوزيعها، قبل أن ينغمس سريعا فى السياسة، ربما بقوة دفع الأحداث الكبرى، ومن ضمنها المواجهة مع نظام ثورة يوليو، و«تتحول إلى جزء من حركة أيديولوجية غارقة فى كل معانى السياسة وطقوسها ورموزها».
لعل أهم ما ترويه السيدة فاطمة عبد الهادى مما لا يتوقعه القراء هو أن السيدة زوجة الإمام حسن البنا كانت بعيدة عن نشاط زوجها تماما: تفرغت لتربية أبنائها تربية حسنة، ولم يكن لها يوما نشاط مع جماعة الإخوان، أو حتى فى حضور دروس الأخوات، وهى تصل إلى أن تقول:
«… وكان الإمام البنا يمازحنى أحيانا فيحكى لى كيف أن زوجته تذهب لشيخ المسجد لتستشيره فى بعض الأمور الدينية ولا تسأل زوجها!».
على أن حسام تمام يورد شهادة مهمة للأستاذ فريد عبد الخالق ضمنها مقدمة خاصة كتبها للكتاب، وذكر فيها بكل وضوح أن الفضل الأول فى حركة الأخوات المسلمات يعود إلى السيدة آمال العشماوى بنت محمد حسن العشماوى باشا وزير المعارف الأشهر، وهو يقدم هذا الحديث من خلال ما يصفه بأنه حديث عن بيت من أهم بيوت الإخوان:
«… لقد كان أحد بيوت الثراء والسعة فى جماعة الإخوان المسلمين (بيت السيدة آمال العشماوى)، فوالد آمال هو محمد العشماوى باشا وزير المعارف، وزوجها هو منير دلة المستشار بمجلس الدولة، وكان البيت وسيعا وفسيحا، وبه من الإمكانات ما يجعله قادرا فى أى وقت على استقبال الناس والقيام بضيافتهم على أفضل وجه، وهناك بدأت دروس الأخوات الخاصة وأنشطتهن، وكنت (الضمير للأستاذ فريد عبد الخالق) ممن يحضر لإلقاء الدروس عليهن، وكان معنا الأستاذ البهى الخولى العالم والمربى الجليل، وكان مسؤولا وقتها عن قسم التربية بالجماعة، وكانت محاضراته مؤثرة وقوية تركز دائما على أمور العقيدة والعبادة ونشر الوعى الصحيح عن الإسلام، ومما أذكره أن بيت آمال العشماوى كان راقيا وبه علامات الثراء والوجاهة، ومنها تماثيل تزين أنحاءه، ولما تكلم البهى الخولى عن حرمة التماثيل وحرمة اقتنائها قامت آمال العشماوى فجمعت كل التماثيل وألقت بها خارج البيت».
ونأتى إلى قضايا الفكر فى سيرة الأخوات المسلمات معتمدين على المقدمة التى وجد حسام تمام أن الأمور لا تستقيم دونها، وربما كانت قضية التدين الشكلى هى أهم القضايا التى أشار إليها فريد عبد الخالق فى شجاعة فى سياق تلخيصه لما ينبغى أن يتضمنه كتاب حسام تمام عن تاريخ فاطمة عبد الهادى، وكأنما كان الرجل المجرب فريد عبد الخالق يريد أن يدل الإخوان على أن التدين الشكلى الذى يعرفونه الآن يمثل قضية مناقضة تماما لسر نجاح حسن البنا فى بداية عهد الجماعة، ولنقرأ هذا الذى يقوله هذا الأستاذ.. أى فريد عبد الخالق:
«كانت قضية الحجاب غير حاضرة فى زمننا هذا، مثلا كانت أختى سعاد غير محجبة، وحين خطبها صلاح شادى لم تكن محجبة، وظلت هكذا فترة حتى تحجبت، بينما كانت زوجتى كوثر الساعى أسبق منها للحجاب، كان يكفى الإيشارب أو غطاء الرأس، وكانت الأخوات كلهن محتشمات بعيدات عن التبرج والابتذال، أما النقاب فلم نسمع به وقتها أبدا، وأستطيع القول إننا لم نشهد حالة نقاب واحدة، ولم نسمع بمنقبة، أو نر أختا من الأخوات ارتدت النقاب إلا بعد التغيرات التى شهدتها مصر فى حقبة السبعينيات من القرن العشرين، مع بداية دخول نمط التدين الوهابى القادم من الخليج، والغريب تماما عن نمط التدين فى مصر، ولدى الإخوان المسلمين أيضا، فلم تكن لدينا فى مصر هذه الحالة من الاهتمام بالشكليات كعنوان على التدين، ولم يكن الإمام البنا يهتم كثيرا بالتدين الشكلى، وما زلت أذكر واقعة له مع الأخ محمود سليمان، وكان أحد إخوان كلية الطب، فقد كنت مع الإمام فى المركز العام للجماعة، وفى أثناء خروجنا من المكتب قابلنا الأخ محمود، وكان قد أعفى لحيته فبدا شكله غريبا ومختلفا عما كنا ألفناه، فلما رآه الإمام بادره محمود قائلا: لقد أصبتُ السنّة، فرد عليه الإمام: أصبت السنّة وضيعت الفرض! اذهب واحلق لحيتك وتعال معنا.. أريدك مثل زملائك فى الكلية الذين تدعوهم.. لا يمكن أن تؤثر فى الناس وأنت غريب عنهم! لقد كان الإمام البنا يرفض أن نتميز عن الناس بلباس أو هيئة حتى نظل جزءا من المجتمع».
أما أطرف ما تقدمه هذه المذكرات فهو ما ترويه السيدة فاطمة عبد الهادى عن قصة مشاركة إحدى زوجات رؤساء الوزراء فى مصر وزعماء الحزب السعدى الذى كان على علاقة متوترة بالإخوان، وهو إبراهيم عبد الهادى باشا فى تشجيع نشاط الأخوات المسلمات، وهو الأمر الذى اكتشفته الشرطة المصرية اليقظة:
«وقد انضمت إلينا أيضا الأخت رئيفة شاكر، أخت الأخ صلاح شادى، وأختها دولت هانم زوجة وزير الداخلية إبراهيم عبد الهادى. كانت تقوم بإرسال صفائح الزيت والدقيق والسكر وغير ذلك من المواد التموينية بسيارتها ليتم توزيعها على الفقراء».
«والطريف أنه لما صدر قرار حل الجماعة استمر عملنا تحت لافتة الأخوات المسلمات، وإن ظلت الدار تحت مراقبة البوليس، فقام المخبر المكلف بالمراقبة بالتقاط رقم السيارة التى تحمل تلك المواد التموينية وأرسلها للمباحث، وكانت المفاجأة أنها سيارة إبراهيم باشا عبد الهادى وزير الداخلية! فما كان من المباحث إلا أن رفعت لافتة الأخوات المسلمات وأرسلوا لجنة من جمعية سيدات مصر التى تسلمت الدار التى كانت تابعة فعليا لجماعة الإخوان الصادر قرار بحلها، وأرادت اللجنة ضم الدار إلى الشؤون الاجتماعية، وجاءت لجنة من السيدات لهذا الغرض، فقامت الأخت آمال العشماوى بالاتصال بوالدها وزير المعارف الذى كان يرأس أيضا رابطة الإصلاح الاجتماعى، وطلبت منه ضم الدار إلى تلك الرابطة حتى يستمر نشاطها، ففعل مشكورا، وكنت ممن انتدبهن للعمل مديرة لهذه الدار، واستمر ذلك لمدة تسع سنوات».
وتشير فاطمة عبد الهادى على استحياء وباقتضاب إلى معاناتها مع عدد من مظاهر «الجاسوسية» التى تعرضت لها على مدى حياتها فى الأخوات المسلمات، وتختم حديثها هذا بقولها:
«… كانت المباحث لا تكف عن محاولة الحصول على كل المعلومات عنا، حتى إنهم عندما اعتقلونا عام 1965 دسوا علينا إحدى الفتيات كجاسوسة علينا فى قسم مصر القديمة قبل ترحيلنا إلى سجن النساء فى القناطر، وكانت تنقل لهم كل ما يدور بيننا».