الرئيسية / المكتبة الصحفية / هل مات النظام قبل 25 يناير؟

هل مات النظام قبل 25 يناير؟

 

 

تاريخ النشر : ٢٠١١/١٠/٢
كما أن للإنسان عمرا.. فإن للمؤسسات والشركات عمرا، وإذا كانت بعض المؤسسات تفخر بأن عمرها امتد أكثر من مائة عام على سبيل المثال، فإن هذا العمر نفسه يمثل أكبر معوق لعمل المؤسسات التى تعجز عن تجديد نفسها، وتتمسك بتراكم الأوضاع القانونية والتاريخية على نحو يجعلها عاجزة عن الحركة، وعن التقدم، ثم يجعلها تندفع باتجاه الوفاة.

شهدنا فى الأسابيع الماضية وفاة صحيفة شهيرة، والواقع أن هذه الصحيفة لم تمت بفعل مشاركتها فى التزوير أو التنصت، لكنا ماتت قبل هذا بفعل الزمن، وجاء التزوير أو التنصت ليعلن شهادة الوفاة على نحو ما حدث لغيرها من المؤسسات التى ماتت لأوهى سبب، ولم يكن أوهى سبب هو سبب الوفاة، لكنه كان السبب الكاشف عن الوفاة أو المعلن لها، تماما كما حدث فى القصة التى لخصها القرآن الكريم:( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) صدق الله العظيم.
القرآن نفسه علمنا أن العلماء أوتوا قدرة تفوق الجن على الفهم والتنبؤ والإدراك، لهذا فإنهم يستطيعون أن يقولوا باطمئنان: إن هذه المؤسسة ماتت على حين يعتقد آخرون أنها لا تزال قوية أو غنية، الأمر فى البداية والنهاية أمر علم يستند إلى الحقائق والتحليل والتقييم، وكلها أمور تنمو مع العلم، وتتجدد معه، وتبلغ قمتها على يديه.
لم يكن من الصعب على أى مفكر يستند إلى العلم أن يتنبأ بسقوط نظام مبارك فى غضون أسابيع أو شهور، لكن الذين ينظرون إلى الأمور من الوجهة البوليسية فقط كانوا يظنون النظام لا يزال قادرا على البقاء.
حضرت نقاشا دار يوم الاثنين 24 يناير بين أستاذين كبيرين وصلا إلى أرفع مواقع العلم، كان الأستاذ الشاب يرى النظام قد انتهى، وكان الأستاذ الشيخ يرى فى البوليس والقوة والجاسوسية درعا أو دروعا يمكن أن تمتد بعمر النظام، لكن الأستاذ الشاب قال للأستاذ الشيخ: إن النظام قد مات، وهذه الأشياء لا تحمى الميت، وبتواضع العلماء قال الأستاذ الشيخ: أنت أدرى منى بالنظام ومادمت قلت هذا فأنت أدرى، لكنى أقول لك إن الدروع لا تزال قوية، قال الأستاذ الشاب: لقد فقد النظام روحه، وأفقد ثورة 23 يوليو مبرر وجودها، ولم يعد له وجود إلا بالقصور الذاتى، هكذا مات النظام الذى استند إلى ثورة 23 يوليو قبل أن يصل الستين، وكان هذا أمراً طبيعيا جداً.
ومن الطريف أنى أشرت إلى هذا المعنى بكل وضوح فى حوار صحفى مطول نشر قبل الثورة بشهر واحد، واستخدمت فيه كثيرا من الصراحة والتلطف، لكن أحدا لم يعن بأن يسألنى عن سبب توقعاتى، فلما وقعت الواقعة سألنى بعض من كانوا قد تعجبوا لمثل هذه الآراء عن حقيقة إدراكى لموت النظام، فأخذت أقص عليهم مظاهر كثيرة حدثت فى السنة الأخيرة من عمر نظام مبارك، وكانت تدل على أن النظام مات وينتظر الدفن، ومن الطريف أن أحد أصدقائى لم يكن معجبا من كل الأمثلة التى ذكرتها إلا بمثل طريف ومعبر، وهو ما عانيت منه بنفسى يوم تنحى الرئيس التونسى (14 يناير) كنت عائدا إلى مصر الجديدة بعد سقوط الأمطار، فبقيت قبل نفق العروبة وفى النفق ساعة كاملة، لأن الأمطار أغرقت النفق الملاصق لبيت الرئيس دون أن يعنى أحد بتصريفها، وذلك على الرغم من أن وزير الإسكان «الأسطورة» كان قد حصل على موازنة الدولة على تسعين مليونا كاملة من أجل لإنشاء نظام لتصريف المطر فى شارع العروبة (فقط)، من العجيب أننى فى اليومين التاليين وجدت نفق الرئيس لايزال على حاله غارقا معطلا ومعطلا للمرور.
ولهذا فإنى بعد أن عدت إلى البيت بدقائق سمعت خبر مغادرة الرئيس التونسى لبلاده، وذهل كل من استطلع رأيى فى هذا اليوم وما بعده عن توقعاتى المعلنة من أن أقول إن السيناريو قابل للتكرار فى مصر، ومن أن أقول إن تونس سبقت مصر بالمصادفة فقط.
وبلغ الأمر بمستمعى حد الاحتداد فى أربعة اجتماعات متتالية حضرتها ما بين 14 و25 يناير، ولم يكن أحد يريد أن يصدق أن النظام ينتظر الدفن.
وفى أحد هذه الاجتماعات قال أحد الزملاء ضاحكا بأسى: تكلم كما تشاء.. فهذه آخر فرصه لك للكلام.

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com