الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات ماقبل الجزيرة / الدستور / لماذا تسعي الجماهير إلي الوظيفة الحكومية؟

لماذا تسعي الجماهير إلي الوظيفة الحكومية؟

 

 

تاريخ النشر (الدستور): ٢٠١١/٦/٢٤
هذا سؤال يبدو ساذجاً لكنه يمثل مشكلة الادارة والتنمية في مصر بل ربما كان هو السؤال الأول في هذه القضية. إن ضمانات العمل الحكومي تتيح لصاحبه اكثر مما يتيحه عمل الانسان الخاص ولهذا فليس غريبا أن يتمسك كل انسان بوظيفة حكومية.

لنبدأ بالفنانين من الممثلين المحبوبين، لكل واحد من هؤلاء وظيفة في مسرح من مسارح الدولة، لكنه علي مدي السنوات المتدة من حياته لم يقدم عليه إلا مسرحية واحدة، وقد تقاضي عنها المكافأة عند عرضها وعند إعدادها للعرض في مرحلة البروفات ، ومعني هذا أن المرتب الحكومي الذي تقاضاه طيلة حياته كان بمثابة منحة لا ترد فضلا عن أنه يترتب له عليه حقوق أهمها بالطبع معاش التقاعد عند بلوغ الستين، أو عند الخروج المبكر من الخدمة..
كذلك فان الانتماء إلي المسرح القومي أفضل بكثير من مجرد الانتماء إلي فرقة الفنان «كامل شغال» المسرحية، بل إن «كامل شغال» نفسه كان حريصا لنفسه علي مثل هذا الوضع.

قل مثل هذا في موظفي الهيئات الثقافية الذين يتحركون مرة واحدة في العام حين يحين وقت «المولد» الخاص بهيئتهم فاذا المخصصات والمقسمات والمقطوعيات تظهر إلي الوجود في حرفنة تليق بهذا التاريخ الوظيفي المعتبر لأقطاب العمل الثقافي البيروقراطي.
ومن الطريف أن الوزير المسئول كان يعرف أن كل نشاط هيئاته مظهري ولهذا كان يوصي بشدة بعدم توزيع كتاب الانجازات الضخم الذي كان يطبع طباعة فاخرة ويقدم لرئيس الجمهورية الذي لا يتوقع أن يقرأ فيه حرفاً واحداً، ولا أن يحيله إلي من يقرأ فيه حرف أو حرفين حتي من باب المتابعة.
ومن الجدير بالذكر أن النظام المصري قد وصل الي مرحلة رفعت شعار : دع كل وزير يفعل ما يشاء ولا تشغل باله بحساب.
وقد انتقلت القاعدة لتنطبق أيضا علي المديرين والموظفين حتي أصبح النظام فاكتشف ذات صباح أنه فقد نفسه.

هل تريد أن تمضي معي في تأمل الوظيفة الحكومية في أدني درجاتها وهي درجة عمال اليومية
ليست هذه أدني درجة بالمعني الحرفي لكنها كذلك فيما يتعلق بالامتيازات الوظيفة وقد خصص لها يوسف بطرس غالي بابا في الموازنة وجعل لها أهمية خاصة حتي يتمكن من الضغط بها علي الدولة التي هو ( نفسه ) موظف فيها.
لكن هذه الدرجة اتسعت بقدرة قادر لتشمل أطيافاً واسعاً من عمال اليومية، فبالاضافة إلي الشباب الذين يعينون بخمسة جنيهات أو ستة أو عشرة في اليوم حسب درجة واسطتهم توجد طوائف أخري من عمال اليومية حسب هذا التعبير الشيطاني.. لكن يكفي أن أذكر لك من هؤلاء وكلاء أول الوزارة الذين يحالون إلي التقاعد ويمد لهم الوزير عاما بعد آخر حتي يفشل في المد فيعينهم خبراء وطنيين حتي يستنفدوا المدة المحددة لعمل الخبير الوطني، فتتم الاستعانة بهم بنظام عمال اليومية، وتصل أجور عمال اليومية (هؤلاء) إلي 300 جنيه في اليوم..
لكن نظام عمال اليومية (الحكومي) يتيح لهم أن يكافئوا علي الاجازات اذا التزموا بحضور أيام كثيرة، وهكذا فانهم إذا حضروا 22 يوما في الشهر يكافئون بمكافئة الشهر كله، تعويضا لأيام الجمعة والعطلات الرسمية.وهكذا فانهم يقبضون 9300 جنيه بديلا عن الرقم الطبيعي الذي توصي به درجتهم وهو 6600 جنيه لأنهم يعوضون عن الاجازات كما قلنا.

لهذا السبب فانك تجد في بعض الوزارات المصرية أمراً عجيبا، نري الشباب المثبتين (يحصلون علي ما يزيد علي 250 يوم من الاجازات والمأموريات الرسمية طوال العام ويحضرون 50 يوما ويصنفون الايام الباقية ما بين اعتيادية وعارضة ومرضية واجازة مصيف… الخ).
وهكذا يصبح حضور يوم وكأنه بمثابة حضور اسبوع !
لكنه إذا حضر وطلبت منه عملاً ووعدك بانجازه فوجئت في اليوم الثاني بأنه في اجازة وفي الثالث كذلك وفي الرابع حتي ينشغل المدير فينسي الموضوع من أساسه.
وقد قصّ علي رئيس هيئة إعلامية كبيرة أنه لم يكن قادراً علي أن يراكم أي عمل في الهيئة بسبب إن موظفيها أصبحوا يتبادلون الحضور علي مدي أيام الأسبوع : نصفهم يحضر اليوم والنصف الآخر غداً.. وفي بعض الادارة الأقل أهمية أصبحوا يتبادلون الحضور علي ثلاث مجموعات بحيث يحضر الواحد منهم مرتين في الأسبوع فحسب.

مع كل هذا فان الذنب ليس ذنب الموظفين، فليس لهم عمل مطلوب منهم وإنما هي أعداد متضخمة في جهاز حكومي مترهل ولا يستطيع أحد حتي لو كان من أبطال ثورة يناير 2011 أن يغير من الأمر شيئا.
السؤال الأخير: هل هذه حقيقة أم أنها شطحة قلم فحسب؟
الإجابة: هذا سؤال ساذج.. بل هي الحقيقة… وما عدا هذه الحقيقة هو السذاجة.

       للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com