تاريخ النشر : ٢٠١١/٧/١٠
سُئلت ذات مرة عن أكثر الكُتاب إفادة لعصر مبارك، فقلت بلا تردد: عبد العظيم رمضان فتقبل بعض السائلين الإجابة بالموافقة، وتقبل قليل منهم الإجابة بالفتور تعبيرا عن التحفظ، فتعمدت أن أسأل عن إجابتهم فتوقفواعن أن يذكروا اسما محددا.
وسئلت عقب السؤال الأول عن أكثر الكتاب عذابا وظلما فى عصر مبارك، فقلت بلا تردد أيضا: عبد العظيم رمضان، وتقبل معظم المستمعين والسائلين الإجابة بقدر من الاندهاش، وإن أبدى أحدهم إعجابه الشديد من هذه القدرة على الحكم على الأمور بحقائقها على الرغم من ظاهرها المختلف تماما. وربما لم يكن فى وسع أحد أن يتحدث عن عبد العظيم رمضان حديثا منصفا فى عهد مبارك على الرغم من كل الإنصاف الذى أنجزه عبد العظيم رمضان لعصر مبارك، وليس من قبيل المصادفة أن المكتبة العربية تحوى كتابا ضخما من أربعة عشر جزءا عنوانه: «الصراع السياسى والاجتماعى فى عصر مبارك».
وقد كان السبب فى هذا عجيبا جدا، لكنه لا يخرج عن طبائع النفس البشرية، ذلك أن الحب من طرف واحد، حب غير مكتمل، كما أن تقدير الهدايا يتوقف على قدرة المهدى إليه على تقييم قدرها.
ومع هذا فإن الملاحظة الدقيقة تكشف لنا بوضوح أن كتاب الدكتور عبد العظيم رمضان عن «الصراع الاجتماعى فى عصر السادات»، وهو كتاب ضخم يعبر عن مدى الاتقان فى كتب عبد العظيم رمضان، أما كتبه عن عصر مبارك فمع أنها ابتدأت بالاتقان والتقسيم والتبويب، فإنها آثرت أن تمضى مع تعاقب الزمن بطريقة تذكر بالحوليات، وإن لم تكن حوليات بالطبع. لكنها فى نظر كثيرين من أهل الصحافة ليست إلا تطوير الأكاديميين «برطانتهم المعهودة» لفكرة الحوليات مع حرص مواز على مواكبة الأحداث السياسية والاجتماعية بالتأصيل والتنظير والتحليل والنقد.
على أن الأهم من ذلك أن حسنى مبارك لم يجد دفاعا تاريخيا مجيدا عن سياساته وتوجهاته على نحو ما وجده فى كتابات عبد العظيم رمضان، ويبدو لى أن عبد العظيم رمضان كان فى المقام الأول فى انتهاجه هذا الدفاع فنانا حريصا على أن تكون صورته للزبون الجالس بين يديه التى يرسمها أفضل من الصورة التى يرسمها غيره للزبون الآخر الذى جلس أمام الفنان الآخر (أو بين يديه)، أو فلنقل بصراحة إن عبد العظيم رمضان لم يكن يهمه فى المقام الأول أن يكون حسنى مبارك أفضل من هتلر، ولكن الذى كان يهمه هو أن يكون دفاعه هو عن مبارك وتصويره له أفضل من دفاع جوبلز عن هتلر، وليس مهما أن يكون مبارك أفضل من هتلر!
وبالطبع فإن عبد العظيم رمضان لم يكن فيما فعله فى عهد مبارك واعيا للقضية على هذا النحو المجرد الواضح، لكنه كان مدفوعا إلى هذا بالفطرة، فطرة الكاتب أو العالم أو المؤرخ المشرئب إلى العظمة المتاحة له فى أقرب صورة.
بيد أن من سوء حظ التاريخ (وليس سوء حظ مبارك.. أو سوء حظ عبد العظيم رمضان) أن مبارك لم يكن يقدر الفكر.. ولا التاريخ والدفاع.. ولا القضية نفسها، وإنما كان مبارك يسير بطاقة الدفع الذاتى فى عقليات معاونيه وسياسييه، وهى طاقة دفع كانت بحاجة إلى مثل هذا الوقود الذى كان عبد العظيم رمضان يصنعه ويستخرجه باجتهاد شديد وهكذا فإن أسامة الباز وعمرو موسى وغيرهما من قبيل مصطفى الفقى، وأحمد ماهر، وأحمد أبو الغيط، وعبد الرءوف الريدى، وعلى ماهر، وماجد عبد الفتاح، وسليمان عواد، كانوا يستأنسون بهذا الوقود المتاح على يد عبد العظيم رمضان، ويستدفئون به على الرغم من حب مبارك للصقيع الفكرى، وتفضيله على ماسواه.
ومن إحقاق الحق أن نقول فى رمز ما لا نستطيع قوله فى وضوح وصراحة، وهو أن عبد العظيم رمضان قد أجهد أعدى أعداء رياسة مبارك، (وعن عمد لا نقول: أعدى أعداء شخصية مبارك.. وعن عمد أيضا لا نقول: أعدى أعداء سياسة مبارك)
ومن إحقاق الحق أيضا أن نذكر أن هذا الذى أرهقه عبد العظيم رمضان بدفاعه عن رياسة مبارك لم يدخر وسعا فى حرب عبد العظيم رمضان بكل الوسائل الذكية، وغير الذكية، والأخلاقية، وغير الأخلاقية، وإلى الحد الذى لم يمانع فيه أن يتقرب من ناشر عبد العظيم رمضان بما يبدى تمجيده له بينما كان يدس له السم الصريح، ومن الطريف أنه نجح فى أن يؤذى الناشر الذى تبنى أعمال عبد العظيم رمضان، بما لم يدركه هذا الناشر إلا بعد فوات الأوان، ثم إنه لم يدرك أن نشره لأعمال رمضان كان السبب فى هذا التمجيد الذى لقيه على يد أعدى أعداء رياسة مبارك ممزوجا بالسم الذى آذاه به.
وبرغم هذا كله فقد كان أبسط مثقف مصرى يدرك هذه الحقائق بوضوح شديد، على حين كان الأبطال جميعا معصوبى الأعين، وسبحان الله الذى هدى المصريين لأن يقولوا عن أنفسهم فيما يتعلق بالسياسة إن عامتهم أذكى من مثقفيهم، وان قراءهم أذكى من كتابهم، وإن صناعهم أذكى من مؤرخيهم، وإن الأميين منهم أذكى من مفكريهم.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا