تاريخ النشر: ٢٠١١/١٠/١٨
ترتبط الثورة فى أذهان المصلحين والوطنيين بالتقدم، فالروح الثورية هى القادرة على إحداث التقدم بأسرع من المعدلات المعتادة، لهذا كان الأمل ولايزال عظيما فى أن تنجح الثورة المصرية التى اندلعت فى 25 يناير 2011 فى أن تحقق للجامعة بعض ما تنشده من أمل فى التقدم، وتجاوز المحنة التى عاشتها مع تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وفى هذا السياق أحب أن أشير إلى بعض ما يمكن تحقيقه عند الأخذ بنظام الانتخاب فى شغل الوظائف القيادية: (1) على سبيل المثال فإنه إذا كان اختيار العميد قد أصبح بالانتخاب، فلماذا لا نسمح بأن يكون العميد من جامعة أخرى بما يضمن الخروج من أزمة التزاوج الداخلى التى عانت منها جامعاتنا على مدى أربعين عاما؟ ليس لهذه الفكرة أى أهداف مرحلية لكنها تستهدف التغلب على العيوب الوراثية القاتلة التى تصاحب التزاوج الداخلى، وتحرم الجامعة من آفاق التجديد فى دمائها وشرايينها على حد سواء. (2) وعلى النمط نفسه فإن النجاح فى اختيار رئيس جامعة من بين أساتذة الجامعات الأخرى سوف يتيح فرصة ذهبية للإفادة من الشخصيات العلمية الوطنية المتاحة إفادة تفوق ما هو متاح الآن من حصر هذه الشخصيات فى بيئة ضيقة، وتجارب شخصية سابقة قد تؤثر حتى على رحابة الفكر التقدمى الكفيل بصياغة دور المؤسسة الجامعية فى آفاق متعددة ومتنوعة وجديدة على المؤسسة التى انحصرت جهود تطويرها فى أبنائها. (3) وإذا كنا قد عانينا فى الفترة الماضية من الحديث المؤسف عن الأخطاء القاتلة التى يرتكبها بعض الأساتذة الآباء من أجل أبنائهم وبناتهم، فلماذا لا نعمد إلى كود أخلاقى يمنع الأساتذة الآباء أن يتولوا مناصب العادة والوكالة إذا كان لهم أبناء فى الكلية أو الجامعة التى سيتولون عمادتها أو رياستها. (4) وإذا كنا قد عانينا من مرض القزامة فى بعض الكيانات الجامعية التى أنشئت منذ أكثر من عشرين عاما، ولم تحقق وظيفة حتى على مستوى النمو الطبيعى فى هيئاتها العلمية أو بحوثها أو إنجازاتها. فلماذا لا نفكر بجدية فى إعادة دمج هذه الكيانات بما يضمن نموها الطبيعى بعيدا عن المظاهر الكاذبة فى استقلال معاهد بذاتها بعيدا عن كيانها الطبيعى فى الكليات. (5) وإذا كانت التجربة قد أثبتت كثرة الحلقات الاضافية المتمثلة فى وجود مناصب جامعية متعددة على (مستوى نائب رئيس الجامعة، ووكيل الكلية) حيث أنشئت هذه المناصب لتلبية طموحات معروفة فى تولى مناصب قيادية لا تحقق عائدا علميا، أو تنظيميا، وإنما تطيل مدة دورة الأوراق المكتوبة والإجراءات فحسب، وبخاصة إذا ما عرفنا أن هناك لجانا لكل شأن من الشئون، فضلا عن مجالس التعليم والطلاب والدراسات العليا والبحوث والبيئة على مستوى كل جامعة ـ إذا كان الأمر كذلك فأظن أن الأوان قد آن للعودة إلى النظام القديم بوجود وكيل واحد ونائب واحد لرئيس الجامعة، مع تفرغ كل هؤلاء هم والعمداء ورؤساء الجامعات. (6) ولما كان التفرغ فى حد ذاته هو أكبر ضمان لأداء الوظائف القيادية على الوجه الأمثل فإن ضوابط هذا التفرغ تصبح أهم من الحديث عن التفرغ حديثا مطلقا، وفى هذا الصدد فإنه لا يمكن القبول بفكرة انتداب العمداء للدراسات العليا أو التدريس خارج كلياتهم وجامعاتهم، بل إن عملهم بالتدريس فى داخل كلياتهم لا ينبغى بأى حال من الأحوال أن يزيد على 4 ساعات فى الأسبوع، بما يحفظ لهم وقتهم المخصص للقيادة الجامعية، وإلا فسوف نواجه ما واجهناه من قبل من انتداب العمداء ستين ساعة فى الأسبوع فى جامعة أخرى فى مدينة أخرى، وهو ما يعنى عدم بقاء أى وقت حقيقى للكلية الأصلية. (7) ويرتبط بهذا كله أن نحافظ فى تشكيل اللجان العلمية الدائمة على فكرة الأقدمية الذكية الكفيلة بإنهاء العبث الذى حدث فى تشكيل اللجان فى آخر دوراتها حين اتبع أسلوب قريب تماما من أساليب التنظيم الطليعى مع غياب الحاجة الملحة إلى اتباع مثل هذا الأسلوب الذى اعتمد على الاختيار الشخصى المغلف بتسمية خادعة اسمها لجنة الحكماء. (8) وفى كل هذه الترتيبات فإن الحرص على شفافية المعلومات ودقة البيانات المتاحة يمثل نمطا من أنماط التقدم الجوهرى فى الجامعات، ومن المفارقات أن إحدى الجامعات الصغيرة تتيح بيانات كاملة عن كل أعضاء هيئة التدريس بها، على حين أن الجامعة التى كانت بمثابة الأم لها لاتزال حتى يومنا هذا تخفى هذه البيانات وكأنها سر من أسرار العمليات الحربية. (9) على أن القيادات الجامعية الجديدة بعد هذا كله تتطلب قدرا من التأهيل القومى الذى لابد منه ومن تنظيمه بأقصى سرعة تأهيلا لها لما تطلبه مستويات أعلى من قيادة المشروعات القومية.