تاريخ النشر: ٢٠١٢/٢/١٩
هذا هو العنوان الذى اختاره الصديق الأستاذ مصطفى عبيد عنوانا لكتابه الجديد الذى صدر فى الذكرى الأولى لوفاة رئيس الأركان المصرى الأشهر.
كان الفريق سعد الشاذلى واحدا من الشخصيات العسكرية المصرية المرموقة التى لم يتح دوام الحظ لها أن تنال ما تستحقه من تكريم رسمى، وذلك بسبب ظروف السياسة وتقلباتها وبسبب ردود فعل الشاذلى لهذه الظروف.. وليس من شك فى أن الشاذلى كان مسئولا عما افتقده من تكريم أو عن بعض ما افتقده من التكريم.وقد أفضت فى شرح هذه القصة منذ 13 عاما ورويتها بالتفصيل فى كتابى «النصر الوحيد» الذى كان من حظى فيه أن أعرض مذكراته وأناقشها بالتفصيل، وليس هذا المقال مجالا لتكرار الحديث عما تحدثت عنه من تقديرى للشاذلى ولمكانته التى لم يصل إليها عسكريون كثيرون ولمدى ما تمتع به من حب السادات ولا عن تقديره الرجلين لبعضهما البعض قبل أن يحدث بينهما الجفاء المشهور.
وقد ظل الفريق الشاذلى طيلة عهد الرئيس مبارك يعانى من كل ما يؤذى مشاعر المواطن الحر الأبى، فهو تارة فى المهجر أو المنفى وتارة فى السجن وتارة ثالثة فى البُعد الذى لا هو نفى ولا هو سجن ولا هو تحديد للإقامة. ولكنه بُعد إجبارى عن الضوء يجمع كل كذلك.
وقد شاءت الأقدار أن يتوفى الشاذلى فى آخر أيام حسنى مبارك وأن تشيع جنازته فى اليوم الذى شهد تنحى مبارك، ولو أن جنازة الشاذلى أو وفاته قد تقدمت شهرا واحدا (أو أسبوعين) لكان مبارك على رأس المشيعين على نحو ما فعل مع جنازات زملائهما من قادة حرب أكتوبر، لكن القدر كان يخطط لشىء مختلف تماما كأنما أراده ليبلور أكثر القصص درامية فيما يتعلق بحرب أكتوبر 1973، وليحرم مبارك من غسيل يديه من أزمة الشاذلى.
وقد نجح الكاتب الصحفى الصديق الأستاذ مصطفى عبيد فى أن يقدم للقارئ كتابا جميلا عن هذا الرجل العظيم، وقد سعدت بقراءة كتابه الجميل وما احتواه من كثير الاتفاق أو الاختلاف مع آرائى التى أبديتها من قبل فى عدد من كتبى التى تناولت هذه الفترة، كما قدرت فى الأستاذ مصطفى عبيد روحه المنصفة وتهذيبه الدأب وتعبيره الجميل، ولما كنت حريصا لأسباب كثيرة على التعبير عن إشادتى بهذا الكتاب الجميل، فقد رأيت أن انتقى للقارئ منه بعض ما يدلنا على مهارة مؤلفه ومكانة الشاذلى معا، دون أن أتدخل بذكر آرائى فى القضايا التى تناولها المؤلف بذكاء واقتدار. فقد تكفل المؤلف الصديق بذكر آرائى والتعليق عليها، وعلى سبيل المثال فإنى انقل للقارئ من كتاب الأستاذ مصطفى عبيد عن اختيار الشاذلى رئيسا للأركان وهو القرار المحورى الذى مكن الرجل من أن يلعب كل أدواره التالية بما فيها أهمها على الإطلاق وهو دوره العظيم فى النصر الوحيد.
يقول الأستاذ مصطفى عبيد: «لقد كانت سهام النقد توجه كثيرا إلى الشاذلى لاختياره رئيسا للأركان متخطيا بذلك الاختيار نحو 40 شخصا فى الأقدمية طبقا لمذكرات كثير من العسكريين لكن مناقشة موضوعية لذلك الاختيار تكشف أن الظروف لعبت دورا غريبا فى ذلك التعيين إلى جانب الكفاءة والخبرة المشهود له بهما».
وينقل الأستاذ مصطفى عبيد عن الشاذلى قوله: «فى يوم 8 أبريل 1971 اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت رئاسة الفريق فوزى لم تكن وظيفتى التى أشغلها قائدا ل «منطقة البحر الأحمر العسكرية» تؤهلنى لعضوية هذا المجلس ولكنى دعيت لحضور المؤتمر».
«وقد كان الموضوع الرئيسى للمؤتمر هو بحث موضوع اتحاد الجمهوريات العربية».
«طلب الفريق فوزى آراءنا فى الانضمام إلى اتحاد الجمهوريات العربية وهاجم جميع المتحدثين ذلك (أى انضموا للفريق فوزى) وعندما جاء دورى أيدت الاتحاد وفندت الأسباب المختلفة التى اعتمد عليها الآخرون فى معارضتهم له وخلصت إلى أنه إذا لم يكن هناك أى نفع لمصر من هذا الاتحاد فإنه ليس هناك أى غرم».
وينقل الأستاذ مصطفى عبيد إلى رأى محمد حسنين هيكل فيقول:
وينقل لنا هيكل تقرير رأى عام سريا يتضمن رأى القوات المسلحة المصرية فى اتفاق اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا يظهر فيه بوضوح تدنى لغة الخطاب الموجه من الفريق محمد فوزى وزير الحربية إلى رئيس الجمهورية عندما يقرر آراء سياسية من صميم عمل الساسة ولا دخل للعسكريين بها، مثل «اكتافنا هتتعب من كتر الشيل» و «لا ثقة فى البعث السورى» و «إزاى يتم اتحاد بين دول متشككة فى بعض».
ثم يقول مصطفى عبيد: «فى اليوم التالى لثورة 15 مايو الساداتية أو انقلاب مايو- كما يحب الناصريون أن يسموه- تم استدعاء (سعد الشاذلى) لاستلام منصبه الجديد رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة ليتخطى بتعبير (الشاذلى) نفسه 30 ضابطا يسيقونه فى الأقدمية».
ثم ينقل عبيد عن الشاذلى قوله: «وقد يعتقد البعض أن هذا التعيين جاء بناء على موقفى فى مؤتمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 18 أبريل ولو أخذنا بهذا التفسير لكان منطقيا أن يقوم «السادات» بالتخلص من جميع الأعضاء الذين وقفوا ضده لكى يأمن شرهم، ولكن هذا لم يحدث، وفى يوم 17 مايو قابلت رئيس الجمهورية فى منزله بالجيزة برفقة الفريق صادق، حيث أشاد بما يعرفه عنى من قدرات وإمكانيات وانضباط عسكرى وأنه يثق بى ثقة كبيرة».
ثم يتعرض الأستاذ عبيد لرأى صاحب هذه السطور فيقول: «أما الدكتور محمد الجوادى فله رأى خاص فى قصة تعيين الشاذلى رئيسا للأركان، حيث يرى أن وضع الفريق الشاذلى فى القوات المسلحة كان وضعا استثنائيا خاصا، صنعه الرئيس أنور السادات بعبقريته الخاصة فيقول:
«إن الفريق سعد الشاذلى تخرج فى الكلية الحربية دفعة يوليو 1940 وهكذا كان تاليا فى كشف الأقدمية لمجموعة كبيرة من القادة الذين أصبح رئيسا عليهم بفضل قرار السادات اختياره رئيسا للأركان عقب حركته التصحيحية فى مايو 1971 وقد خرج بعض هؤلاء من الخدمة فى الفترة ما بين مايو 1971 واندلاع الحرب فى أكتوبر 1973، ولكن بعضهم بقى أيضا فى الخدمة حتى اشترك فى الحرب فى ظل رئاسة الشاذلى للأركان، وربما كان المشير الجمسى نفسه أبرز هؤلاء، فالرجل تخرج فى دفعة 1939 ووصل إلى مناصب رئيسية متقدمة جدا فى القوات المسلحة منذ 1961 إذ عين قائدا للمدرعات، كما عين رئيسا لهيئة العمليات فى القوات البرية 1966 ورئيسا للعمليات فى مركز القيادة العامة فى حرب 1967 ثم رئيسا لأركان الجبهة عقب هزيمة 1967 وغيرها من المناصب».
«لكن المفاجأة الكبرى حدثت عند إجراء السادات حركته التصحيحية فى مايو 1971 إذ قفز اللواء الشاذلى خريج دفعة يوليو 1940 ليكون رئيسا للأركان وليسبق بهذا عددا كبيرا من القادة الذين يتولون مواقع قيادية فى القوات المسلحة لم يمر بها سعد الشاذلى نفسه ومع أن التقليد العسكرى يتطلب فى مثل هذه الحالة خروج كل من هم أقدم من سعد الشاذلى إلا أن هذا لم يحدث ولا حتى بطريقة جزئية».
«ويبدو أنه كان هناك أكثر من سبب لهذا، فقد كان المناخ العام مناخ انكسار لا يسمح بالتفكير فى مثل هذه الترتيبات، كما كانت الظروف المحيطة فى ذلك الوقت تشهد توترا لا مثيل له، وقد خرج معظم أقطاب السلطة الفعلية فى الوطن فى أسبوع واحد من مناصبهم إلى المعتقل بمن فيهم وزير الحربية نفسه ومدير المخابرات العامة ووزير الداخلية وعدد كبير من القادة العسكريين الذين أيدوا جميعا وزير الحربية فيما يتعلق بالوحدة مع سوريا، بينما أيد قائد واحد هو سعد الشاذلى الرئيس السادات وهذا ما يعتقده الفريق محمد فوزى».
«ويبدو لى أن الشاذلى لم يتجاوز زملاءه الباقين فى خدمة الجيش فقط، لكنه تخطى أيضا عددا من اللواءات فى الأفرع الأخرى للقوات المسلحة كانوا قد سبقوه إلى رتبة اللواء».
ويعلق الأستاذ مصطفى عبيد على رأيى فيقول:
«ويخلص الرجل إلى رأى غريب قد ينفرد به ألا وهو أن سعد الشاذلى هو رجل أنور السادات فى القوات المسلحة على نحو شبيه ب «عبد الحكيم عامر» بالنسبة ل «ناصر» مع الفارق وهو ما أثار حالة من القلق بين القادة العسكريين ويبدو أن السادات استشعر ذلك وهو ما جعله لا يواصل تصعيد الشاذلى إلى موقع الفريق صادق بعد خلافه معه واضطر إلى أن يعود خطوة إلى الوراء ويختار أحمد إسماعيل.
على هذا النحو الجميل الذى يوازن بين الروايات المختلفة وينسج منها كتابا متعدد الزوايا والرؤى نجح الكاتب الأستاذ مصطفى عبيد فى تقديم كتاب جميل عن قائد عسكرى متميز لعب أدوارا عظيمة فى خدمة مصر والوطن العربى، وقدر له أن يختلف مع السادات وأن يندفع فى هذا الخلاف إلى حدود ترك جواز سفره المصرى واستعمال جواز سفر عربى بديلا عنه.
رحم الله سعد الشاذلى وجزى مصطفى عبيد عن وطننا خير الجزاء.
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا